غنية الغافري

المشاهد المؤلمة عقب زلزال تركيا وسوريا، والتي لا تخطر على العقل البشري، ولا يستوعبها خياله، كانت هي المحرك الإنساني للحملة الشعبية لمساعدة المنكوبين، والتي جاءت استجابة عاجلة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان «يحفظهما الله»؛ لتتصدر المملكة العربية السعودية وعمقها الإسلامي الراسخ ومسؤوليتها وتبنّيها المواقف المشرِّفة مع كل حدث يستدعي ذلك، وفي هذا المشهد كانت حملة المملكة أولى الحملات الشعبية التي دخلت العمق، وعاينت الحدث، وتأكدت من إيصال المعونات للمنكوبين، وحق لنا أن نفخر بدولتنا وقيادتنا، فهي كاسمها سعودية السعد والخير والأمل.

الحقيقة أن الحدث جلل، والمصاب كبير، تخيَّل أن تكون نائمًا أو قائمًا آمنًا فيسقط سقف المنزل المحشو بالحديد على رأسك، تخيَّل أنك في ظلام دامس قد أطبقت عليك جدران منزلك الذي أويت إليه، وأنت تسمع صرخات عائلتك المخنوقة واستغاثات جيرانك، ولا تستطيع أن تصل لأحدهم، تخيَّل أنك في هذا الجو متألم خائف جائع، لا يسكن نفسك إلا ثقتك الكبيرة بربك وأملك في النجاة.

إن البث والتغطيات الإعلامية، وإن كانت تحمل مشاهد مؤلمة إلا أنها تعكس صورة الحدث، وترسل رسائل سريعة.

إن العاملين في مجال الإغاثة والإنقاذ لا يقتصر عملهم في التنقيب والبحث عن الناجين، بل إن أولئك الموثقين والمصورين لا يقلون أهمية عن أولئك، وهذا ما شاهدناه من تغطياتٍ حيّة صادقة قام بها الفريق السعودي المرافق للحملة الشعبية، بل إن تأثرهم وأصواتهم المتهدجة تجسّد حديث الرسول الكريم «عليه الصلاة والسلام»: «مَثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، كما أن توزيع المعونات والخيام وإيصالها للمستحقين وتوثيق ذلك يبث الطمأنينة في نفوس كل مَن بذل وساهم في المنصات السعودية الموثوقة كمنصة ساهم..

إن هذا الزلزال يرسل الكثير من الرسائل والعِبَر ويدعونا للسلام على صعيد الأسر والمجتمعات، فحجم الخلافات التي نتبناها والقضايا التي نقاتل من أجلها لا تستحق كل هذا الصخب، فالسلام الأسري والحب والألفة أولى من بوادر الاهتزازات والشروخ والزلازل الافتراضية التي تشق الأسرة وتشق على الأبناء وتشتتهم..

وأخيرًا ندعو الله «عز وجل» أن يُديم على بلادنا وبلاد المسلمين الأمن والاستقرار، ويجنّبنا الزلازل والمِحَن.. اللهم آمين.

• خاتمة:

في هذه الأبيات جسَّد أحد الشعراء السوريين معاناته في فقد عائلته:

كيف اللقاء وقد شطت بنا السبل

وذرفت بدم في ليلها المُقل

وكيف ننسى بتلك الدار لمَّتنا

وهل بمأساتنا يحيى بنا أمل

عند الوداع انثت جدرانها أملا

ودت لو احتملت في رحل من حُملوا

يا صاحي لا تحسب الجدران من حجر

بل أنفس في سكون الليل تبتهل

لله نشكو إذا ما لشوق أوجعنا

أرواحنا رحلت في إثر من رحلوا

ghannia@