د. عبدالله القرني

(@abolubna95)

يلاحظ وجود خطأ شائع عند بعض القادة في تطبيق مبدأ الحزم أثناء توليهم مسؤولية العمل الإداري، فيخلطون بين الحزم وبين القسوة، حيث يقومون ببعض الممارسات الإدارية التي أقل ما يُطلق عليها أنها تندرج تحت مفهوم الإدارة بالتخويف والتهديد في اعتقاد منهم أن تلك هي الإدارة الحازمة التي تمكنهم من إرساء الانضباط ورفع مستويات الإنتاجية وتحقيق المستهدفات المطلوبة. بينما لو بحثنا في معاجم اللغة العربية المختلفة عن معنى كلمة (حزم) لوجدناها تعني ضبط الشيء أو إتقانه، كما تعرّفها بعض المعاجم على أنها الوصول للنتيجة المرجوة بكل ثقة.

ومن حيث الاصطلاح يُعرف الحزم الإداري بأنه قيادة فريق العمل بتطبيق أفضل المعايير والممارسات العملية بكل كفاءة وفعالية نحو الوصول إلى المستهدفات المطلوبة بأقل فاقد ممكن، ويتضمن ذلك عددا من الأمور منها على سبيل المثال اختيار الكفاءات المطلوبة وتوظيفها في مكانها المناسب، المتابعة المستمرة، اتخاذ القرار الصحيح في التوقيت الصحيح، الإقدام وعدم التردد.

لو أمعنَّا النظر في التعاريف السابقة للحزم وقارناها بالممارسات الخاطئة المشار اليها أعلاه لوجدنا تباينا واضحا بين الأسلوبَين ومن هنا جاء الفهم الخاطئ والتطبيق المشوّه للحزم.

إن الأصل في التعامل بين البشر عامة وبين القائد والتابعين على وجه الخصوص لابد أن يُبنى على أساس التعامل بالحسنى وهو مطلب شرعي ابتدأ والاستدلالات على ذلك من موروثنا الديني عديدة، منها قول المولى عز وجل عن نبيه الكريم (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) والفظ في هذه الآية الكريمة يعني التعامل بجفاء، بينما غليظ القلب هو قاسي القلب غير ذي رحمة ولا رأفة كما فسَّرها أهل العلم، فالمتأمل لهذه الآية يجد أنه على الرغم من سمو وصدق الرسالة التي كان يحملها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلا أن الله سبحانه وتعالى ربط بين انقياد وتصديق الناس له، وبين تعامله اللطيف الرحيم بهم، وقد أوصى الله نبيه الكريم في موضع آخر باستخدام أسلوب الرفق واللين في الحديث، وكذلك المجادلة كما جاء في قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). ليس ذلك فحسب، بل إن الله سبحانه وتعالى قدّم الحسنى على أداء الفرائض التعبدية كالصلاة والزكاة، وهما من أركان الإسلام الخمسة، كما في قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).

وقد كان الرفق والعفو والتعامل الحسن هو خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: (إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه)، ويُنقل عن أم المؤمنين حديث (فإنَّ الإمامَ إن يُخطِئ في العفوِ خيرٌ من أن يُخطِئَ في العُقوبةِ) وإن كان هنالك من ضعّف هذا الحديث.

كما يُنقل عن أصحاب التجربة والخبرة في العمل القيادي أن القسوة وعدم التقدير وسوء التعامل مع المرؤوسين لا تحقق الإنجازات بل إنها ذات أثر سلبي على أعضاء الفريق، وتؤدي إلى ضعف الإنتاجية، والخاسر الأكبر في هذه الحالة هو ذلك القائد القاسي.

خلاصة القول: تذكّر أخي القارئ الكريم أن الكمال لله وحده، وأن من سنن الله في البشر تنوّع شخصياتهم وتفاوت إمكانياتهم، ومقتضى ذلك أن يُحالفهم التوفيق تارة، وأن يقعوا في الخطأ تارة أخرى، وأن المهمة الأساسية للقائد هي السير بالجميع نحو هدف واحد رغم هذا الاختلاف والتفاوت على أساس التعامل باللين والرفق وحفظ الكرامة البشرية.