هناء مكي

هل أفلس لبنان؟ بين الإعلان ونفيه هناك ضبابية تغشى حقيقة هذه المخاطرة ورمزيتها، ولكنها لا تنفي عمق الأزمة وصعوبة معالجتها وقد يكون إعلان الإفلاس الذي يترتب عليه تنصل الحكومة متمثلة بالمصرف المركزي اللبناني من رد الودائع لأصحابها وتقليل حجم الخسائر بهذا الإعلان آخر الحلول المؤذية ولكنها بالطبع لن تعالج المشكلة من جذورها، فهذا وطن وليس شركة يفض شراكتها بإعلان الإفلاس.

يؤسفني أن دولة بحجم لبنان تتعرض لهذه الأزمة الاقتصادية التي تهز وجودها. أن يفلس بنك أو شركة حتى وإن كانت عملاقة أو لديها تاريخ ممتد لهو أمر وارد، لقد شهدنا ذلك منذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008، حتى كانت الصدمة التي لم نستوعبها تتطلب أن يكتب عن هذا الإفلاس وكيفيته وتحليله لشهور ممتدة ولا نزال نستعين في حوادث الإفلاس التي أذهلتنا لتلك الصروح المالية العملاقة التي اختفت بين ليلة وعشاها، وإن كانت هي شراكة استثمارية خاضعة للربح والخسارة والإفلاس، ولكن أن تفلس دولة! ودولة عربية وسط الدول العربية! إنه أمر غريب ومن الصعوبة أن يدلي مواطن بتصريح عن مثل هذا الأمر وكيف وهو يمثل مصالح الوطن؟ فهذا الأمر المتدرج مآل لنتائج سياسية على الأرجح وأزمات طائفية، وهذه الأزمات هي اختصار لتاريخ لبنان المضطرب منذ عقود.

من درس لبنان والثورات العربية أدركت أن الحكم الواحد المستقر يبدو أن له مزاياه في دولنا العربية، فهو يبنى عليه استقرار الاقتصاد والدعم والمساعدة ونسق الخطط التنموية والإصلاحية ومتابعتها بكل وضوح وإن تعاقبت الحكومات، فغالبية الدول العربية التي تتعرض لتغيير في حكمها تكون عرضة للفساد أكثر وأكبر، وإن كنت أؤيد من يرى أن ضمان المنصب هو منبر الفساد، ففي كلتا الحالتين لا يلغي انتشار الفساد هنا وهناك، وهو جذر كل أزمة، والرقابة والشفافية أمر مهم.

ولكن، ما يجعلني أأسف على لبنان هي العقول الاقتصادية والمالية التي أسهمت بشكل أو بآخر في الاقتصاد سواء اللبناني أو حتى بعض الاقتصادات العربية والأجنبية. كان لبنان لفترة غير بعيدة يعتبر مركزا ماليا إقليميا يتمنى أي مشروع مالي استثماري أن يحصل على ترخيص للاستثمار على أرضه، لديه عقول ليست بالهينة في إدارة الأعمال وفي العمليات المالية، بل حتى لا يخلو أي مصرف على أراضينا من وجود عنصر لبناني ساهم بشكل أو بآخر في عملياته أو إدارته. كان لبنان يتصدر القطاع المالي في المنطقة برمتها، واليوم يعاني من أزمة مالية جعلته عرضة للأزمات التي تحتاج لعقود من الزمن لترميمها، ولعقول لتصميمها. إلا أن العقول هاجرت والعقود تنقضي بلا حلول. فالسبب في ظاهره هو سياسة صرف عملته وربطها، وفي باطنه هو سياسات اتسمت بفساد غير مجدول منذ أكثر من ثلاثة عقود.

صحيح تفاصيل المشكلة الأصيلة وظروفها وأسبابها تلك التي أدت إلى الإفلاس ستجدها هي ذاتها التي يعاني منها العديد من الدول وحتى دول عربية تعيش حالة فوضى أكثر من لبنان، حيث يستشري الفساد لدرجة نهب وسلب مقدرات الدولة ومناصبها بفضائح منقولة، ولكنها صمدت ولم تفلس، وأفلست لبنان.

ولنا تكملة...

@hana_maki00