سعود القصيبي

@SaudAlgosaibi

بالصدفة أن طلب مني أحدهم الذهاب إلى بئر وبرج طوية بمدينة الجبيل، وعادت بي الذكريات إلى ما سمعته من الأهل عن إنشاء هذه البئر مما شاهدوه من أحداث. وكذلك ما قرأت عن الموضوع الذي يجسّد مرحلة من مراحل التأسيس وفصلًا تاريخيًّا يسطر بالذهب حرص المؤسس الملك عبدالعزيز «طيَّب الله ثراه»، على الأمن والأمان، والذي ما زلنا ننعَم بكنفه، ويُعدّ أحد الشواهد على البطولات والتضحيات التي بذلها الملك المؤسس ورجاله المخلصين من الأهالي، وأبناء القبائل في المنطقة الشرقية. ولعل من جميل الصدف أن التقيتُ بأحد أفراد أهالي الجبيل أثناء الزيارة مصطحبًا ابنه لتصويره بالمعلم عن مادة مدرسية ليوم التأسيس؛ مما يعبّر عن عمق الصلة التاريخية والارتباط العاطفي للأهالي بهذا المعلم، ومن قصة، فهو يصلهم بالماضي كما يصلهم بالحاضر.

بئر طوية موقعها جنوب مدينة الجبيل، وكانت موردًا قديمًا تاريخيًّا للماء للمارة من القوافل. وكانت هذه البئر المورد الرئيسي أيضًا للمياه لبلدة الجبيل، ومن أهم أسباب قيامها من أهميته. فلا يأتي مسافر أو عابر للجبيل إلا ويمر عليها ويشرب من مائها أو أن يغتسل منها.

ويعتقد أنه يعود عمر البئر إلى نحو 300 هجري أو ربما أقدم حسبما شوهد من أنواع الملتقطات السطحية لكسر الفخار الملونة التي وصفت حول موقع البئر قديمًا.

دخل التاريخ هذه البئر بعد معركة السبلة المشهورة، والتي أراد بها غلاة متمردون زعزعة الأمن وتقويضه وانتشار الفوضى. معركة السبلة ذاتها جاءت سنة 1374 هجرية، وانتصر فيها الملك عبدالعزيز على ما عُرف بالإخوان.

وبعد تلك المعركة توعد فلولها بغزو المنطقة الشرقية ومدنها. وفور وصول أخبار تفيد بتجمّع عدد كبير من الإخوان لغزو الجبيل، استعد أهاليها للقتال، ووجّهوا ببناء حصن وبرج لحماية البئر، ومنع هذه الزمرة المارقة منه. وكان التكتيك عسكريًّا تطوع له أبناء الجبيل من البناء حتى قام البرج وسور حول منطقته، كما وصلتهم الإمدادات من الملك عبدالعزيز «طيّب الله ثراه»، بما يزيد على 400 مقاتل من قبائل المنطقة، ومن الأحساء، وقاموا بتوزيع الأسلحة على الأهالي للدفاع عن الجبيل في حال حدوث الاعتداء.

رابط المقاتلين لما يزيد على ستة أشهر في حصن الطوية، كما عُرف حينها، وكانوا يقومون بجولات استطلاعية يومية، ويصلون إلى أطراف منطقة الخرسانية وأعالي منطقة البيضاء لما هو اليوم بغرب القطيف. وكانوا يكررون هذه الجولات مرة في الصباح، وأخرى في المساء إلى أن شاءت الأقدار، وخاضت زمرة الإخوان معركة أخرى مع أنصار الملك عبدالعزيز «طيَّب الله ثراه»، من القبائل، وألحقوا بهم هزيمة نكراء، وقبل أن يُكملوا طريقهم إلى الجبيل. انتهت فتنة الإخوان وتمردهم بالقبض على زعمائه وسجنهم وفرار ذيولهم.

تذكر اللوحة الموضوعة بالموقع النص التالي: «حصن الطوية عُرف ببئر الطوية قبل حلول القرن الرابع عشر الهجري بسنوات وكانت موردًا للبادية التي تقطن في هذه الربوع، حيث كان أهالي الجبيل يشربون من البئر قبل حفر الآبار الارتوازية الحديثة. أما البرج نفسه فقد بُني بعد موقعة السبلة عام 1374 هجري».

بئر وبرج الطوية بمدينة الجبيل هو معلم تاريخي قبل أن يكون معلمًا تراثيًّا يجسّد لحمة الوطن، ويعبّر عن نعمة الأمن والأمان التي نعيشها، ومنذ تأسيس الدولة. وفي الجبيل شركات صناعية عملاقة قادرة إن أرادت تمويل مشاريع تراثية تاريخية كمتحف مفتوح بالموقع، أو حديقة نموذجية ومن منطقة معدة لإقامة مهرجانات ومحافل تحوي هذا الإرث التاريخي. ونتمنى الاهتمام به وجعله ليس فقط معلمًا خاصًّا بالجبيل، بل موقع محفل نموذجي نوعي للمنطقة الشرقية، يُقام كل عام في المناسبات الوطنية.