جدد إمام وخطيب المسجدالحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام، الرفض التام والقاطع لكل ما من شأنه المساس بمقدسات المسلمين أو الإساءة للشريعة الإسلامية الغرَّاء.
وقال فضيلته إن التصرف الأرعن والإساءة المتعمدة للقرآن الكريم هو إساءة وتعدٍّ واستفزاز لمشاعر مليار مسلم في شتى بقاع الأرض، وهو إرهاب مرفوض ولا يزيد المسلمين إلا تمسكا بالقرآن الكريم حفظا وعملا، قولا وفعلا.
حملات ممنهجة في التعدي على كتاب رب العالمين
ذكر إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ أنه مع تقلبات الأيام وتتابع الشهور والمواسم، تتسارع الأحداث التي تصيب الأمة الإسلامية، وكلها يهون بجانب الحدث الجلل العظيم، ألا وهو تلك الحملات الممنهجة المتكررة في التعدي على كتاب رب العالمين.
وشدد على ضرورة سن الأنظمة الحازمة التي تجرم مثل هذه التصرفات الخرقاء، التي لا تؤدي إلا إلى نشر الإقصاء والكراهية والتطرف، وتهدد الأمن والسلم الدوليين.
وأدان إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ، محاولات قوات الاحتلال المتكررة المساس بمقدسات المسلمين في كنف المسجد الأقصى المبارك وساحاته والاعتداء على أهله ورواده.
كما أكد تضامن الأمة مع من تضررت بلادهم من الزلازل والهزات الأرضية وما نتج عنها من وفيات وإصابات. فندعو للمتوفين بالرحمة والمغفرة، وللمصابين بالشفاء العاجل أحسن الله عزاءهم وجبر مصابهم وغفر لمواتهم وشفى جرحاهم وعافى مرضاهم.
وأشاد إمام وخطيب المسجد الحرام بالموقف الرسمي والحملة الشعبية في بلادنا الغالية لمساعدة المتضررين من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وعبر منصة ساهم لتقديم المساعدات الغذائية والإيوائية والطبية وغيرها دعما لجهود الإنقاذ وإغاثة المنكوبين كما ندعو الجميع إلى دعمها ومساندتها، والشكر لأهل النبل والوفاء قيادة وشعباً.
يوم التأسيس.. 3 قرون من التلاحم والاستقرار
شكر خطيب وإمام المسجد الحرام، الله عز وجل على ما حبا بلادنا المباركة منذ يوم التأسيس بالتوحيد والوحدة ونستشعر نعم الله علينا بالأمن والأمان ونستذكر بكل اعتزاز بناء كيان شامخ يعبر عن 3 قرون من التلاحم والاستقرار، يوم من التاريخ طاب غراسة وامتدا في عمق الزمان أساسه وتنفس الصعداء وجه جزيرة وكذا الصباح تعطرت أنفاسه يوم تأسس للحضارة معلم وبه تطرز للسمو لباسه قامت على أسس العقيدة دولة فسما بها عدل وعز قياسه فلله الحمد والمنة أولا وآخرا وظاهرًا وباطنًا.
وأضاف أن من آثار هذا اليوم التأريخي الخيّرة، ما نعيشه من شرف خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتأمين السبل لضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزائرين.
الحكمة من اختلاف الفصول
قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، إن الله تعالى، جعل في اختلاف فصول العام دليلًا على عظمته الباهرة، وحكمته البليغة الآسِرَة.
وأضاف: لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفرحون بفصل الشتاء لِمَا يجدون من لذة الطاعة وحلاوة العبادة، فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول:مرحبا بالشتاء، تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام.
وأوضح فضيلته أن الشتاء والربيع يختص ببعض الأحكام والآداب الشرعية التي لا يستغني عنها المسلم، فحقيق بكل مسلم أن يتفقهها حتى يعبد ربه على بصيرة، فمنها: أنه يُشْرَع المسح على الخفين عند الوضوء، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وهذا من سماحة الإسلام وتيسيره على الأنام.
وبين أن من صور التيسير أيضا الخاصة بالشتاء والبرد: جواز الجمع بين الصلاتين عند المطر الشديد أو الريح أو نحوها بضوابط بينها الفقهاء رحمهم الله، وفي الشتاء يتذكر المسلم إخوانًا له عضهم البرد بنابه، ولسعهم بصقيعه، ولفحهم بزمهريره من الفقراء والمساكين، واللاجئين والنازحين، والمنكوبين الذين لا يجدون بيتاً يؤويهم، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء فيسعى إلى دفئهم ورفدهم وتذكر أحوالهم.
وتابع: في الشتاء يحتاط المرء لصحته وإخوانه، ويأخذ بالتدابير الوقائية التي حث عليها ديننا الحنيف، وما يندرج تحتها من أسباب الوقاية كاللقاحات اللازمة في هذه المواسم المتكررة، ولا سيما في المجامع العامة.
وأكد على أهمية الحفاظ على البيئة والغطاء النباتي والتعاون مع منسوبي الأمن البيئي في الحفاظ على المنتزهات ونظافتها والوعي البيئي ونشر ثقافته وسلامتها.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام لقد أظلنا شهر شعبان، شهر تشعب الخيرات، وهو شهر يغفل الناس عنه، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، رأيتك تصوم في شعبان صومًا لا تصومه في شيء من الشهور إلا في شهر رمضان، فقال: ذاك شهر يغفل الناس
عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَعُ فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
وأضاف د. السديس في ذلك إشارة إلى أنه ينبغي عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك مما يحبه الله ويرضاه، كذلك يذكّر من عليه قضاء من رمضان الفائت في المبادرة إلى صيامه قبل حلول شهر رمضان، بلغنا الله وإياكم إياه بمنه وكرمه.
خطيب المسجد النبوي: الغضب مفتاح كل شر
وفي المسجد النبوي قال فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف إن من محاسن الشيم وخصال الفضل والكرم كظم الغيظ ودفع الغضب والكظم: اجْتِراعُ الغَيْظِ وردّه في الجوف والإمساك عَنْ إبْدائه وإمضائه.
وأضاف: أثنى الله على المتجَرِّعِينَ لِلْغَيْظِ فقال جل وعزّ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وقال جل وعزّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ.
وبين فضيلته أن الطيف، أو الطائف هو الغضب، أو الوسوسة، أو الهم بالذنب وسمي الغضبُ طَيْفًا، لِأَنَّهُ لَمَّةٌ مِن لَمَّةِ الشَّيْطَانِ.
وأكمل فضيلته: والغضب مهدمة وغُول الأحلام والعقول وإذا جاء الغضب تسلط العطب، والغضب بذر الندامة ومفتاح كل شر ومبدأ السيئات ومركب الخطيات وباعث العداوات ومذكي الخصومات والمنازعات والدافع إلى الكبائر والموبقات.
وأردف فضيلته أن من أطاع غضبه، أضاع أدبه، وسرعة الغضب من شيم الحمقى خفاف العقول.
وأضاف أن الحلم محجزة عن الغيظ، ومطيّة وطيئة تبلّغ راكبها قاصية المجد، وتملكه ناصية الحمد، ومن رأى العفْوَ مَغْرمًا والغضب مَغْنَمًا فقد أساء التقدير، لأن لذة الحلم والعَفْوِ أطْيَبُ مِن لَذَّةِ التَّشفّي، فلذةُ الحلم والعَفْو يَلْحَقُها حمد العاقبة، ولذه التشفي يلحقها ذم الندم، قيل لعمر بن الاهتم: من أشجع الناس؟ قال: من رد جهله حلمه.
وَبين فضيلته أن مِن ثَارَتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الْغَضَبِ فَقَهَرَهَا بِحِلْمِهِ وغلبها بصبره وصرعها بثباته فقد قهر أقوى أعدائه وشرّ خصومه فاجتنبوا بواعث الغضب وأسبابه ولا تفرطوا في المزاح، فإن المزاح مقدمة الغضب ولا تخرجوا من ترويح القُلُوب إلى تحريك الأحقاد الكمينة بالقذف والغيبة والاستهزاء فذلك استدراج مِن الشَّيْطانِ واخْتِداعٌ مِن الهوى.
الخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء
قال فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إن الخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء في صدور الرجال فلا تقربوها واجتنبوا الهزُؤ والسُّخْرِيَةَ والتعيير والمماراة والمخاصَمَة والمجادلة والمضادة والمخالفة والمعانَدَة والظلم والغيبة والنَّمِيمَة والشتم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل ومنع الحق والبخس والتطفيف فإن تلك الأفعال تؤجج بين الناس شرًا وحقدًا وغضبًا.
وتابع: أهمدوا لهب الغضب والعداوات بالأناة والوقار والحلم وأطفئوا شرره بالتنزه عن المؤاخذة والمحاسبة وردّوا الغضب بالذكر، وسكنوه بالصبر، واقمعوه بالسكون والسكوت.
وأضاف: في السكوت إعراض عن السفه والطيش وتسكين للغضب وقطع للخصومة والساكت لا يكاد يندم والغضوب المخاصم الذي يزفر من الغضب وينفث من الغيظ وينفخ من الحنق وينطق بالسوء لا يكاد يسلم.
وأردف فضيلته: ينبغي للزوجين إذا لاحت سحابة نزاع أمامهما أن يقطعا صوت المنازعة بالمسامحة ويحفظا طول العشرة بالمساهلة ولا يسترسلا في الجدال والخصومة.
وتابع: من اسْتَفَزَّتْهُ طَيرَة الغَضَب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الغَضَب من إغواء الشَّيطان فمن استعاذ بالله سكن غضبه وتحللت عقده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا غضب أحدكم فقال: أعوذ بالله، سكن غضبه أخرجه ابن عَدِي.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: الوطن شجرة وارفة وارقة ثمرتها الأمن والطمأنينة والسكينة والاستقرار والمملكة العربية السعودية وطن الإسلام والسلام فيها مكة المكرمة المشرفة المعظمة المحرمة المبجلة أثَرُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وإرثه وَدَارُ نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ووطنه والبلد الأمينُ الآمنُ المأْمُونُ عَلى ما أَوْدَعَ اللهُ تَعالى فِيهِ مِن مَعالم الدِّينِ.
وقال: فيها الكعبة المحجوجة المصونة والمشعر الحرام وعرفات والعرصات المباركات وفيها المدينة المنورة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع داره ومهاجره وموقع محرابه ومنبره ومكان قبره ومدفنه وفيها معالمه وأعلامه وآثار الآباء والأجداد وإرثهم وتراثهم وغراسهم.
وتابع قائلا: وطن علت مفاخره ومآثره ومنائره وسمت مكارمه وفضائله وطن أسس على التقوى وعمر بالإسلام وحكم بالشريعة وزها بالعدل وعلا بالألفة وانتصر بالحق وبالعزمات الصحاح يشرق صباح الفلاح ومن لم يقدمه عزمه أخره عجزه.
وأضاف فضيلته: قبل 3 قرون أشرق على هذه الأرض المباركة حكم عادل على يد المؤسس الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى فقاد الناس بالتوحيد والعزم الأكيد والنظر الحديد من الحرب إلى السلم ومن الخوف إلى الأمن ومن الجهل إلى العلم ومن ذل التفرق والاختلاف إلى عز الوحدة والجماعة والائتلاف.
وتابع: ثم سار في الحكم من بعده أبناؤه وأحفاده حتى قيض الله إمام المسلمين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فظهرت في الحكم حكمته وفي الشورى نظرته وفي العدل قوته وفي العطاء رأفته ورحمته فكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقيادًا للشرع، رحمه الله تعالى، وقد أفاض الله البركة على مملكته ورعيته ثم حمل الراية من بعده أبناؤه البررة الذين ساروا على نهجه حتى أضحت المملكة مضرب مثل في أمنها ووحدة صفّها وانتظام شملها واجتماع كلمتها وتلاحم قيادتها وشعبها.