أ. د. هاني القحطاني

mailto:hanih@iau.edu.sa

عنوان ذو مواضيع ثلاثة.. فأما التاريخ فقد عقد هذا الأسبوع شراكة علمية بين دارة الملك عبدالعزيز وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام بعنوان: «خدمة تاريخ شرق المملكة العربية السعودية والخليج العربي» في رحاب الجامعة. كم هو جميل الحديث عن التاريخ على وجه العموم. غير أن ما هو أجمل هو أن ورشة العمل هذه أرَّخت لحقبة جديدة تجعل من التاريخ - وتاريخ المنطقة الشرقية تحديدا- يشهد بداية جديدة. فقد تداول الحضور من متحدثين رسميين ومشاركي المحاور الخمسة للورشة ومداخلات الحضور مواضيع في غاية الأهمية، عكست مدى تعطش الناس والجامعة والدارة وكل مهتم بالتاريخ لإرساء قواعد جديدة في تدوين تاريخ المنطقة الشرقية. وقد اختتمت في النهاية باثنتي عشرة توصية تتبارى في أهميتها وأولوياتها. لقد كانت هذه الورشة بحد ذاتها تاريخا عن التاريخ.

والتأسيس تاريخ.. ففي يومه عاشت البلاد عرسا احتفاليا تجلى في صور يصعب الإحاطة بكل تفاصيلها في مقال صحفي. الحديث عن الاحتفال بمناسبة إرساء دعائم دولة على كامل تراب الوطن من ساحله الشرقي إلى غربه ومن أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بكل ما تعني الكلمة من معنى. تعددت صور هذا العُرس من احتفالات وفعاليات ترفيهية وثقافية. وكالعادة فقد عكست الأزياء التقليدية المصاحبة لتلك الفعاليات قيمة الموروث الثقافي الذي تزخر به كافة مناطق المملكة.

وأما المكعب فإن لنا معه قصة أخرى. فقد أطلق صندوق الاستثمارات العامة مشروع مكعب باعتباره الـ «داون تاون» أو المربع الجديد للعاصمة، وللاسم هنا رمزيته.

في أبجديات العمارة المكعب شكل أفلاطوني (platonic solid). والأفلاطونية تعني الكمال. بل إنه الشكل الأفلاطوني الأكثر شيوعا عبر العالم. يعيش العالم كل العالم في منشآت (بيوت، مساجد، مكاتب، محلات تجارية، مدارس، مستشفيات، إلخ) هي في الأساس أشكال متحورة عن المكعب. المكعب هو الأصل وكل أبنية العالم متحورة منه. وفي الجامعة فإن أول ما يتعلم طلاب العمارة رسمه هو المكعب. ولنا -أساتذة وطلاب- مع المكعب ورسمه واستخدامه كمرجع وأصل للعمارة حكايات تروى أصبحت تقاليد مؤسسية أكاديمية في تعليم العمارة.

المكعب شكل بسيط لكنه على درجة عالية من الرمزية. إنه قديم، كوني، راسخ، مثالي، محايد، وهو في النهاية (عكس إخوته الأفلاطونية الأخرى من كرة ومخروط وهرم وإسطوانة) عملي ووظيفي. ونظرا لهذه الصفات الفريدة فإن اختيار المكعب شكلا جديدا لمركز العاصمة قد أحرز قصب السبق.

ما زالت المعلومات التفصيلية عن المشروع غير متوافرة. لكن ما رشح منها ينبئ برؤيا جديدة، بطرح جديد، بفكر جديد في التنمية العمرانية، أين منها أكاديميات العمارة. وكما ورد أعلاه فإن المكعب يجلب معه كل المزايا الأفلاطونية المعمارية الخاصة به التي تمت الإشارة إليها آنفا. تتطابق أفلاطونية المكعب مع السياق التجريدي للصحراء العربية. إنه تجريد في حلة أفلاطونية. ويأتي لون المكعب وغلافه الرملي اللون بوحداته التي تأخذ من الزخرفة المعمارية الإسلامية، ومن الخط العربي المجرد، والفتحات المثلثة الأشكال في تراث المنطقة الوسطى مرجعًا لها ليؤكد على انتماء المكعب لمكانه، وهو يعيد رسم ملامح وسط المدينة في سياق مفاهيم جديدة في التنمية العمرانية.

ولأن هذا مشروع جديد في طرحه وفي رؤياه على كافة المستويات – شأنه في ذلك شأن نيوم وذا لاين- فإن آليات تحقيقه على أرض الواقع رهن باتباع آليات ناجعة في كافة شؤون البناء والإعمار. ولكي يستوفي الحديث عن المكعب أركانه لابد من الإشارة إلى جانب مهم عادة ما يرافق المشاريع النوعية المؤسسة للمستقبل. يعتبر مقياس (scale) أي مشروع مسطرة يقاس بها مدى نجاح المشروع. إن كل مشروع رؤيوي يجلب معه جملة من المواضيع التي قد تصعب على الفهم. غير أن هذه المواضيع (هذه التساؤلات المصاحبة لكل طرح جديد) بالإمكان ببساطة استيعابها ضمن المشروع ذاته بقليل من التفكير في بنائه.

ويبقى المكعب روحا وواقعا ورمزا خير هدية للوطن في ذكرى يوم تأسيسه.

*أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل