متعب القحطاني يكتب:@MetebQ

تطرَّقتُ في مقال الأسبوع الماضي لاثنتين من السمات اللازمة للقائد المؤثر، وهي استشراف المستقبل وعواقب الأمور، وإتقان فن الاتصال. ونكمل اليوم بهاتَين الصفتَين المهمتَين، مستشهدين بقصص لـ «أخو نورة» الملك عبدالعزيز «يرحمه الله»؛ للدلالة على ما كان يتمتع به من صفات قيادية بارزة، ساعدته في بسط نفوذه، وإثبات جدارته بالحكم.

3- إنزال الناس منازلهم واحترام الآخرين:

إن القائد الذي لا يحترم أتباعه أو موظفيه والعاملين معه، ويتعامل معهم بفوقية واستعلاء، غير عابئ بخبراتهم وعلمهم ومكانتهم الاجتماعية، سيفقد ولاءهم، ولن تكون له المكانة الرفيعة في قلوبهم. وبذلك يسقط حجر الزاوية في القيادة، ألا وهو ولاء الأتباع والتفافهم حول قيادتهم.

ذكر الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز» أن الملك عبدالعزيز ابتسم مرةً في مجلسه، وعنده الشيخ نوري الشعلان من شيوخ قبيلة عنزة. ففسَّر الملكُ ابتسامته للضيف قائلًا: «هل ترى هؤلاء الجالسين حولك يا أخ نوري؟ ما منهم أحد إلا حاربته وعاداني وواجهته». فرد الشيخ نوري قائلًا: «سيفك طويل يا طويل العمر». فأوضح الملك عبدالعزيز أن السبب لم يكن السيف فقط، وقال كلمته المشهورة: «إنما أحللتهم المكانة التي كانت لهم أيام سلطانهم، إنهم بين آل سعود كآل سعود».

4- الرحمة:

وقد يستغرب البعض ذِكري للرحمة كإحدى الصفات المهمة للقيادة الراشدة، حيث جرت العادة على ذِكر الحزم والانضباط وعدد من الصفات الأخرى التي ترسم صورة القائد، وكأنه «روبوت» بلا مشاعر.

ولكنها الرحمة التي امتنّ الله بها على رسوله «عليه الصلاة والسلام» مبينًا أنها سبب اجتماع الأتباع من حوله: «فبما رحمةٍ من اللهِ لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظًّا غليظَ القلبِ لانفضُّوا من حولك».

روى الملك سلمان بن عبدالعزيز «يحفظه الله» في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز» قصة تعكس الرحمة التي سكنت قلب والده.

يقول «حفظه الله» إنه عندما جاء الملك عبدالعزيز «يرحمه الله» ليتابع أعمال البناء في قصر المربع، وكان ذلك في نهار رمضان، شاهد العمال تحت أشعة الشمس، وقد أنهكهم التعب. فسأل المشرف عليهم عن مواعيد عملهم، فأجابه أنها من الصباح الباكر حتى العصر.

فقال الملك عبدالعزيز: «يالله العجب! أنا لا أعمل بيدي، وأستعمل السيارة، وأشعر بالعطش. من الآن فصاعدًا لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات في أول النهار، ولكم أجركم كاملًا».

رحم الله الملك عبدالعزيز، القائد الفذ، فقد جمع الله فيه الكثير من صفات القيادة، التي تُدرَّس اليوم في الجامعات العالمية، والمعاهد المتخصصة، وتُنشَر حولها الكتب. لقد كان بحق قائدًا استثنائيًّا جاء في ظروفٍ صعبة للغاية؛ ليحقق الله على يديه ما يشبه المعجزة، وهي اجتماع القبائل عليه بعد أن كانت متناحرة فيما بينها، والتفاف الناس من حوله بعد أن كانوا متفرّقين لا تجمعهم راية، وتأسيس هذه الدولة العظيمة مترامية الأطراف، بنسيجها المجتمعي المتنوع والمتجانس في آنٍ واحد.