في البداية من المهم أن نعي أنه منذ مئات السنوات ونوعية الوظائف تختلف مع مرور الزمن، وهذا أمر لا نختلف عليه ولا يحتاج للتهويل، وحتى لو انتهت وظائف في تخصصات معينة فسيكون مقابل ذلك ولادة لوظائف في تخصصات أخرى، ومع ذلك نجد في الفترة الأخيرة ارتفاعا لأخبار وتحاليل وتشكيكا في مستقبل الوظائف كميا في أسواق العمل بما فيها سوق العمل السعودي.
الواقع أثبت أن الوظائف «تختفي أو تولد» مع مرور السنوات وفقا للتطورات التكنولوجية على الصعيد العالمي، ولا يمكن لأي اقتصاد أن يحافظ على مستوى عدد الوظائف أو نوعيتها في سوق العمل أو حتى زيادة عددها دون وجود أمرين أساسيين «تحولات وتطورات اقتصادية جذرية» و«مركز مختص بالتنبؤ المستقبلي للوظائف»، ويبقى السؤال المهم، لماذا نجد ارتفاعا في كمية التحاليل والأخبار التي تستهدف التشكيك في مستقبل الوظائف في سوق العمل السعودي؟.
حتى نجيب عن هذا السؤال بشكل مبسط، من المهم أن نتابع تطورات المؤشرات الرسمية التي تخص سوق العمل السعودي، والتي نالت إشادة إيجابية من معاهد دولية مختصة في أسواق العمل، فعدد الداخلين السعوديين لسوق العمل مقارنة بالسنوات السابقة وصل لمستويات قياسية لم يشهدها سوق العمل بالمملكة قبل جائحة كورونا، ومعدل مشاركة الإناث ارتفع بشكل واضح حتى أنه وصل لمستهدفات الرؤية، ومعدلات البطالة سواء كان ذلك للسعوديين أو البطالة بشكل عام في انخفاض واضح، وبالرغم من ذلك نجد تشكيكا في مستقبل الوظائف في سوق العمل السعودي.
العدو الأول لأي نجاح هو الخوف من المستقبل والنظرة المتشائمة في كل قرار، وما يحدث من أقاويل وتشكيك حول مستقبل الوظائف وخاصة في السوق السعودي أعتبره كوجهة نظر شخصية كمنتج سلوكي للخوف والتحطيم، وواقعيا هو خيار للمتلقي إما أن يصدقه ويتحمل عواقبه النفسية السلبية، أو يتجاهله لراحته النفسية وتعزيز ثقته في نفسه واقتصاده، ولذلك لا يوجد أي أمر يستدعي أن تفسد حاضرك بما قد لا يحدث أصلا !.
أزمات عديدة مرت على اقتصادات العالم، وآخر تلك الأزمات كان بسبب جائحة فيروس كورونا والتي بسببها شهدت أسواق العمل العالمية تغييرات جذرية، وبالرغم من قساوة تلك المرحلة نجد أن التعامل معها داخل سوق العمل السعودي كان إيجابيا ومثالا نموذجيا لباقي اقتصادات العالم، وقد يرى المتشائم أن حديثي «مبالغ فيه» و«تطبيل»، ولكن هذا الواقع لا يمكن إنكاره لأن المملكة عملت على عدة إصلاحات اقتصادية منها إصلاحات ومبادرات في سوق العمل كتوسيع أنماط العمل، والذي ساهم في مواكبة المتغيرات الجذرية التي شهدها مستقبل الوظائف.
المشكلة ليست في تنوع الآراء، بل الإصرار أنك على صواب دائما، والواقع الحالي وفقا للمؤشرات الخاصة بسوق العمل كفيل بأن تستبدل آراءك إلى آراء مغايرة، لأن الآراء تعتبر كائنا متغيرا بتغير «الزمان والمرحلة»، والأيام الماضية التي شهدت الإعلان عن مشاريع مستقبلية ضخمة وسيرافقها ولادة العديد من الوظائف أثبتت أننا في مرحلة لا يوجد فيها ما يسمى الاستحالات، ولذلك فلنترك الانتقادات الهدامة ونتجاهل التشكيكات التي يثبت الواقع عكسها، ونتذكر دائما أننا نملك ما لا يملكه غيرنا من «فكر» و«عزيمة» تجعلنا مثالا نموذجيا يزعج الغير.
ختاما: هناك معادلة بسيطة في سوق العمل وتعتبر أساسا اقتصاديا يعي أهميته المسؤولون ذوو العلاقة في سوق العمل، وببساطة ملخصها «مهما تغيرت الوظائف فبالإمكان وبكل سهولة أن يتغير الإنسان لمواكبتها»، وبوجود برنامج تنمية القدرات البشرية فلا خوف على مستقبل وظائفنا.