لملايين السنين انفردت الطيور بالسماء منذ وجودها على سطح الكوكب، تحلق فيها كيفما شاءت دون خطر كبير يهددها أو عائق يمنعها، حتى اكتشف البشر الطيران وحلقت أول طائرة عام 1903، ليتقاسم الناس السماء مع الطيور ويهدد كلاهما الآخر في حياته.
فمنذ ظهور الطيران البشري لا تكفّ حوادث الاصطدام بين الطيور والطائرات عن الوقوع، مخلِّفة عشرات الآلاف من القتلى في الطيور ومئات الوفيات في البشر، غير الخسائر المادية المقدّرة بمليارات الدولارات التي تتكلفها المطارات وشركات الطيران.
كان آخر تلك الاصطدامات ما حدث أمس، حين اصطدمت طائرة مغادرة من هافانا بكوبا إلى فورت لودرديل بولاية فلوريدا بسرب طيور، أدى إلى اشتعال حريق في محركها وهبوطها اضطراريًا قبل وقوع أي خسائر بشرية.
لكن إن نجت تلك الرحلة من مصير مأساوي، فإن غيرها لم يكتب له نفس المصير، وكان اصطدامها بالطيور قاتلًا.
اصطدامات قاتلة
ليست كل الرحلات الجوية المصطدمة بطيور ذات حظ جيّد مثل طائرة هافانا، إذ وثّقت أكثر من حالة اصطدام قاتلة بين الطائرات والطيور، أودت في النهاية بحياة العشرات من البشر بعد سقوط الطائرات.
ففي مارس من 2019 سقطت طائرة من طراز بوينغ 737 ماكس، وقتل فيها كل الركاب البالغ عددهم 157 شخصًا.
ويُرجع المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل، سبب تحطم الطائرة التي كانت متوجِّهة من أديس أبابا إلى أمريكا، إلى اصطدامها بجسم ما في الهواء، مرجحة كونه طائرًا، ما سبّب عطلَ أجهزة الاستشعار وميل الطائرة ثم سقوطها.
وفي عام 1962، اصطدم عصفوران بذيل طائرة Vickers Viscount خلال تحليقها على ارتفاع أكثر من 1800 متر عن الأرض.
رغم صغر حجم الطائرين فإن قوة اصطدامهما كانت شديدة، فأخلَّت بجهاز الموازن الأفقي ما تسبَّب في سقوط الطائرة، ووفاة 17 راكبًا ممن كانوا على متنها، وفق ما تنقله هيئة الإذاعة البريطانية.
وفي 1960 تحطَّمت طائرة كانت مقلعة من بوسطن تحمل 62 شخصًا على متنها، ماتوا جميعًا بعد سقوط الطائرة إثر اصطدامها بسرب من طيور الزرزور، بحسب ما تنقله نيويورك تايمز، وتعدّ تلك أسوأ حادثة اصطدام طيور في أمريكا.
كيف تُشكّل الطيور خطرًا على الطائرات؟
تُفضّل بعض الطيور التعشيش في محيط المطارات، تلك المناطق الشاسعة التي تشكّل جاذبًا مغناطيسيًا للطيور، بما تحتويه من أماكن مناسبة لصنع الأعشاش ومساحات خالية للتحليق، وفق ما تورده هيئة الإذاعة البريطانية.
ولذلك السبب تكثر حوادث الاصطدامات عند إقلاع الطائرات أو هبوطها، لكن ذلك لا يمنع وقوع حوادث على ارتفاعات عالية تستطيع بعض الطيور التحليق فيها.
وعادةً ما تصطدم الطيور مع الحواف الأمامية للطائرة والتي تتضمّن: الأجنحة ومخروط مقدمة الطائرة والمحرك النفاث، وهو المكان الأكثر شيوعًا لحوادث الاصطدام.
وبحسب ما يورده موقع I believe in Science فإن تلك المناطق التي تكثر فيها الحوادث من جسم الطائرة هي الأكثر حساسية بها، ويمكن أن ينتج عن تضررها حدوث خلل في نظام الملاحة ومن ثمَّ سقوط الطائرة.
ويمكن أن يتسبّب اصطدام الطيور في حدوث أضرار جسيمة بالطائرة، مثل فشل مراوح المحركات وتلف الزجاج الأمامي أو جسم الطائرة كلها ولا يستثنى من ذلك أي نوع من الطائرات سواء مدنية أو عسكرية، كبيرة أو صغيرة، ما ينتهي ببعضها إلى السقوط والتحطم، وعلى أفضل تقدير تهبط الرحلة اضطراريًا دون خسائر بشرية.
ومع كل محاولات البشر لتجنّب الصدام مع الطيور مثل صنع صقور معدنية طائرة لطرد الطيور من محيط المطارات، أو بهدم أعشاش الطيور بها، أو بتغيير مواعيد وأماكن إقلاع الطائرات، فإن المشكلة لا تزال قائمة، طالما يطير في السماء غير المعدات بشرية الصنع.