متعب القحطاني يكتب:

حين نسمع كلمة «اتخاذ القرارات» يخطر في بالنا أن الحديث يتمحور حول إحدى مهام القادة والرؤساء التنفيذيين والمسؤولين فقط. بينما «اتخاذ القرارات» يعتبر ممارسة يومية، حيث يتخذ الواحد منا عشرات أو ربما مئات القرارات منذ اللحظة الأولى التي يستيقظ فيها حتى يخلد لفراشه، مرورًا بكل تفاصيل يومه. وتتفاوت تلك القرارات في أهميتها وتعقيداتها حسب عمره وأدواره الحياتية، ومكانته الوظيفية أو الاجتماعية، ومسؤولياته، والملابسات التي تكتنف لحظة اتخاذ القرار.

ومن الطبيعي والمتوقع أن تكون بعض تلك القرارات خاطئة، تفوّت علينا فرصًا، أو نخسر بسببها أحبابًا، أو ربما تُوقعنا في بعض المشاكل التي لا قِبَلَ لنا بها.

وحينها نشعر بالندم، وهو كما قيل صوت العقل الذي يأتي متأخرًا، ونتمنى لو عاد بنا الزمن لنتجنبها، ولكنها سُنّة الله، حيث لا تعود عقارب الساعة للوراء أبدًا.

ويتفاوت الناس في الندم. فمنهم مَن يكون ندمه مجرد شعور لحظي عابر. ومنهم من يستهلكه ويهلكه الندم بحسراته وجلده لذاته، تراه يعيش في الماضي دون أن يتجاوز إخفاقاته وأخطائه، يجترّ آلامه وأحزانه. وهؤلاء غالبًا ما يخسرون حاضرهم، ولن يكون مستقبلهم أحسن حالًا.

أما العقلاء فيجعلون من ندمهم نقطة تحوّلٍ في حياتهم وانطلاقة لهم نحو آفاق جديدة، وخيارات أكثر واقعية وصوابًا.

إن أكثر القرارات التي نندم عليها هي تلك القرارات التي اتخذناها في لحظة غياب للعقل والحكمة، وتحت تأثير العاطفة أو ثورة غضبٍ ولحظة انفعال.

إن القرارات المصيرية -لا سيما تلك التي لا تخصّك وحدك وقد تؤثر على أشخاص آخرين- تحتاج لتروٍّ وأناةٍ وحكمة. تحتاج إلى عقلٍ يوازن بين المصالح والمفاسد، مستحضرًا القاعدة الذهبية «درءُ المفاسدِ مقدّمٌ على جلبِ المصالح».

تلك القرارات تحتاج لشخصٍ يخرج من ذاته؛ ليرى الصورة الكبيرة بكل تفاصيلها وشخوصها. ينعتق من أسر اللحظة الراهنة ليقفز للمستقبل بتفكيره وتحليله، ويفكر في مآلات الأمور، وما يترتب على قراره من تبعاتٍ على كل مَن سيتأثرون به بشكل مباشر أو غير مباشر.

في القرارات الكبيرة تحتاج أن تستشير خبيرًا ذا دراية ومعرفة، حكيمًا عركته السنون والتجارب، وزاده العلمُ نورًا على نور، صادقًا يقول لك ما لا تودّ سماعه متى ما رآه صائبًا دون خوف أو مجاملة، أمينًا يعلم أن «المستشار مؤتمن»، كما قال المصطفى ﷺ، يسلّط الضوء على مساحات مظلمة غفلت عنها، ويطرح أسئلة تجاوزتها دون إجابة، ويثير نقاطًا تجاهلتها سهوًا أو عمدًا دون تفكير.

تحتاج أن تسمع صوت العقل بهدوء، وتجادل مستشارك بالحسنى، متجردًا من عاطفتك ومشاعرك الفائرة، تنظر للموضوع من كل الزوايا، مستعرضًا كل الخيارات المتاحة، مستحضرًا فكرة «الإيجابيات والسلبيات» لكل قرار وما يترتب عليه، حتى إذا ما اجتهدت وأخذت قرارك بعد ذلك كله، كنت للصواب أقرب، ومن الندم أبعد «بإذن الله».

@MetebQ