وفاء عبدالعزيز تكتب:

تلقيتُ تهنئة من أحد الإخوة الأفاضل من دولة شقيقة بيوم المرأة العالمي؛ وهذه سابقة لم تحصل لي من قبل!

لطفٌ منه بكل تأكيد، وشكرته على ذلك، لكن أثارت المعايدة في نفسي التهكّم بعض الشيء، وجعلتني أنظر إلى كل الأيام التي ابتدعها أولئك الزمرة في المجتمع الغربي، وتبنّوا إحياء مراسم الاحتفال بها في كل عام، يوم الحب، يوم الصداقة، يوم المرأة، يوم التسامح، يوم الأم.. إلخ. سلسلة من الأيام، احتفال يليه احتفال، وإن نظرتَ لواقع المجتمع، تجد زيف هذه الظاهرة، وعدم فعاليتها وجدواها، ولنقف متأملين عند بعضها:

حشدٌ صحفي، شخصياتٌ مرموقة لتكريم فلانة الفلاني؛ لأنها اجتهدت وساهمت وطوَّرت وأنجزت في مضمار الأعمال والعلم والاختراع ، الدرع تلمع في يدها، هي تبتسم والكل يبتسم، يتعالى التصفيق، بيد أنَّ البعض يلوي فمه متأففًا وهو يصفق مُجبرًا يريد أن تنتهي المسرحية فهي لا تعني له شيئًا، وحضوره مجرد مجاملة، السيدة تعود لمنزلها يستقبلها زوجٌ بارد لا يقدّرها ولا يحترم شخصها وعقلها، تموت الابتسامة على شفتيها، تدسُّ الدرع في مكتبها، وهكذا انتهى اليوم العظيم.

نموذجٌ فقط من آلاف الحالات التي تُهان فيها كرامة المرأة وأحاسيسها وتضطهد بأبشع الطرق، ولكن لنُكمل ونعرّج على عيد الأم، وكيف يُنفق الكثير بإسراف ليثبتوا للعالم أنهم نِعمَ الأبناء، الابنة البارَّة تجدها تصوّر تلك الكعكة الفاخرة، وتلك الهدية الثمينة، ولا أشكك في مصداقية حب الكثيرين لأمهاتهم ودوافعهم من نشر تلك اللقطات الحميمة، ولكن لن تُمحى العقوق بصورة وحفلة، ولن يحتذي أحد بك إلا من باب «مع القوم يا شقراء»، تركوا نهج نبينا مُحمدٍ «صلى الله عليه وسلم» ووصاياه في الأم والتعاليم الإلهية فيما يخص الوالدين، أو تظن أو تظنين.. ستصحو ضمائرهم في هذا العيد المزعوم بحفلتك مع أمك؟!

وفي هذا اليوم، وفي بقعةٍ ما، هناك أمهاتٌ على السرير الأبيض يرقدنَ بعجز لا يسأل عنهنَّ أحد، هُناك شخص يلقي بأمه عند باب دار العجزة وينصرف من دون وخزة تأنيب في ضميره الميت، هُناك رجل ترك أمه المُسنة تحت رحمة زوجته الطاغية تذيقها المرار، وهلمُ جرّا، وإذا وقفنا عند عيد الحب، هنا تشعر بأن مُصاب الأمة عظيم، يتبادلون الورود بيد، وفي اليد الأخرى خنجر نُقشتْ الخيانة على نصله كهدية ينتظر أن يخرج من غمده ما إن ينتهي العيد!

وما أكثر الدراسات التي تشير إلى ارتفاع معدل الخيانة عن ذي قبل، وبات لها تصنيفٌ كذلك حيث تُعدُّ «الخيانة الإلكترونية» الأكثر تفشّيًا في المجتمعات، كما ترون كثرة الأعياد والاحتفال لم تجعل الحال أفضل، ولم تجعل من مجتمعاتنا مُجتمعات فاضلة ولا مثالية، فلماذا أهدر وقتي بتهنئة هذا وذاك، وأتصنّع السعادة بقدوم هذا اليوم المُقدس «يوم المرأة العالمي»؟.

• مخرج:

نحنُ لسنا بحاجةٍ لتخصيص يوم لهذا وذاك، فالعطاء وإظهار الحب والتقدير لا يحتاج منك أن تنتظر يومًا في السنة، نحن بحاجة للعودة لأصولنا وأعرافنا، للعودة للوصايا الربانية التي تقوّي أواصر المحبة على صعيد الأسرة وأفراد المجتمع، نحنُ بحاجة لأن نكونَ عربًا لا غربًا، غير أن العروبة ثقلٌ، والتمسك بها تحدٍ على ما يبدو، وقالها نزار قباني:

وأنا يا صديقةُ مُتعبٌ بعروبتي

فهل العروبة لعنةٌ وعقاب؟