د. شلاش الضبعان يكتب:

نحتاج إلى إعادة تعريف الغِنى!

ونحتاج أيضًا إلى فك الارتباط بين النجاح والثراء، فليس كل ناجح ثريًّا، وليس كل ثري ناجحًا، كما أن هناك أكثر من نجاح، وليس النجاح المادي فقط، وكثير من هذه النجاحات يتجاوز النجاح المادي بمراحل.

قرأت في التذكرة الحمدونية لأبي المعالي ابن حمدون أن جليسًا للحسن بن علي «رضي الله عنه وعن أبيه»، يُقال له فروخ، سأل الحسن: أمن الأغنياء أنا أم من الفقراء؟ فقال الحسن: أتغديت اليوم؟ قال: نعم، قال: فعندك ما تتعشى به الليلة؟ قال: نعم، قال: أنت من الأغنياء.

هذه القاعدة الحسنية الجميلة التي يزخر بها وبأمثالها تاريخنا العظيم نحن بأمسّ الحاجة لها، فلو طبَّقناها لعرفنا أفضال الله علينا، وكسبنا القناعة التي هي الرضا بما أعطى الله، وهي كنز لا يفنى، ففيها الراحة والطمأنينة والسلامة من القلق والأمراض والصراعات، وفيها التفرغ لما هو أعظم وأبقى وأطول أمدًا.

أيضًا لو طبَّقنا هذه القاعدة فسنخلص أنفسنا وعائلاتنا من السقوط – وإسقاطنا- في دوامة المقارنات التي تهوي فيها الكثير من العائلات اليوم وتؤدي بهم إلى ما لا تُحمد عقباه، فكثير منا هو غني في الحقيقة، ولكنه يعيش في تيه وعمى عما يملكه، وفي الحديث الشريف يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «انظروا إلى مَن هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ ألا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم».

أيضًا أتمنى أن نبتعد عن أسلوب التخويف والتوعد بالفقر الذي نمارسه مع أولادنا، ونحن نظن أننا بذلك ننمّي الدافعية لديهم، الأصوب أن نربّيهم على أنهم أغنياء مع زرع الطموح لديهم، فلا تعارض أبدًا بين القناعة والطموح، ارقَ بطموحاتك وطوِّر نفسك بما يتناسب مع هذه الطموحات، واسعَ نحو أهدافك، وارضَ بما قسمه الله لك، وقد بذلت الأسباب.

روى أبو هريرة «رضي الله عنه» عن المصطفى «صلوات الله وسلامه عليه»: مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنَّ، أو يعلم مَن يعمل بهنَّ؟ قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فقال: اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسِن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تُكثر الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب».

الرضا طريق الغنى.

@shlash2020