أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. ماهر بن حمد المعيقلي المسلمين بتقوى اللَّه عز والاستعداد ليومٍ بضائِعُه الأعمال، وشهودُه الجوارِحُ والأوصال، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: المال زينة الحياة الدنيا، جعله الله قيامًا للناس، فبه تقوم المصالح العامة والخاصة، قال تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا، أي: التي بها قوام عيشكم الذي تعيشون به.
لذا جاءت الشريعة بتنظيم أمره، وحرّمت تحصيله بغير حقه، وبيّنت السبل المشروعة في تحصيله وإنفاقه، وجعلته من الضروريات الخمس، وقرنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بالدماء والأعراض، كما في خطبة الوداع.
للصدقة منزلة عظيمة
لمَّا كانت النفوس مفطورة على حب المال، والحرص عليه، وطلب الاستكثار منه، كان للصدقة منزلة عظيمة، فهي من أجل العبادات والقربات، التي يحبها الله ورسوله، وما ينفقه العبد ابتغاء وجه الله، هو الذي يجده أمامه يوم القيامة، فلا يبقى له من ماله، إلا ما تصدق به، فادَّخَرَ ثَوَابَهُ لآخرته، وما سوى ذلك، فإنه ذاهب وتاركه لغيره.
وأوضح أن من فضائل الصدقة، أنها مدعاة لزيادة المال وبركته، ولإنفاق الله تعالى على عبده، ففي الحديث القدسي، قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ)، رواه البخاري ومسلم.
والملائكة في صباح كل يوم، يدعون للمنفق بالخلف، وللممسك بالتلف، وهي دليل على صدق الإيمان، فالصدقة برهان، لأن المتصدق آثر طاعة ربه، على محبته لماله، والصدقة سبب لتفريج الكروب، وتطهير المرء من الذنوب، وتطفئ غضب الرب، وتدفع البلاء عن العبد، وتشرح الصدور، وتدخل على القلب السعادة والسرور، وتُداوي القلب والبدن.
الصدقة تقي الإنسان ميتة السوء
بيّن إمام وخطيب المسجد الحرام، أن الصدقة تقي الإنسان من ميتة السوء، وتنفع صاحبها، حتى لو أخرجت عنه بعد موته، فقد أتى سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إِنَّ أمي ماتَت، أفأتَصَدَّق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟، قال: سقي الماء، رواه النسائي في سننه.
وأفاد فضيلته أن الصدقة وقاية للمرء من النار، ففي صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: مَنِ استَطاع منكم أن يسْتتِر من النار، ولو بشق تَمرة فليفعل.
7 يظلهم اللَّه في ظله
وكل الخلق يوم القيامة تحت لهيب الشمس، حتى يُقضى بين الناس، إلا سبعة، يظلهم اللَّه تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم -صلى الله عليه وسلم-: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، رواه البخاري.
وما اجتمع الصيام مع الصدقة، وعيادة المريض واتباع الجنازة، إلا وجبت لصاحبها الجنة، بفضل الله ورحمته، ففي صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمَنْ تبع منكم اليوم جنازة؟، قال أبو بكر: أنا، قال: فمَنْ أطعم منكم اليوم مسكينا قال أبو بكر: أنا، قال: فَمَنْ عاد منكم اليوم مريضًا، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اجتمعن في امرئ إِلا دخل الجنة.
خير الصدقة.. على القريب
أكد الشيخ المعيقلي أنّ خير الصدقة، الصدقة على القريب، الذي لا تجب عليك نفقته، لأنّ الصدقة على المسكين صدقة، وعلى القريب صدقة وصلة، ففي صحيح البخاري، ومن الصدقات التي خُصّت بالفضل؛ الصدقة الجارية، وهي ما تبقى للإنسان بعد وفاته، وأجرها يصب في ميزان حسناته، وأعظم الصدقة، أنفسها عند أصحابها، وأكثرها نفعا وأبقاها أثرا، وخير الأعمال أدومها.
أنواع الصدقات
أبان إمام وخطيب المسجد الحرام، أن للصدقة، أبوابًا، فيدخل فيها الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة، وأنواع التبرعات والمواساة، مع النية الصالحة، وموافقة الشريعة، بل الصدقة تشمَل كل عمل طيب، يقصد به الخير.
فالكلمة الطيبة صدقة، وإعانة ذي الحاجة الملهوف صدقة، والإصلاح بين المتخاصمين صدقة، والإنفاق على الأهل والأولاد صدقة، واللقمة يضعها الرجل في فم زوجته صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وكل قرض صدقة، وكل تهليلة وتسبيحة وتكبيرة صدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة، وتبسم المرء في وجه أخيه صدقة.
وإرشاد الرجل في أرض الضلال صدقة، وكف الإنسان شره عن الناس صدقة، وكل ذلك من أسباب جزيل العطايا، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، والفوز بأعالي الجنات، ورضوان رب الأرض والسماوات، فيا لفوز المتصدقين.
وقال الشيخ المعيقلي: ها نحن في هذه الأيام، نتهيأ لاستقبال موسم الطاعات، والجود والإحسان والقربات، شهر النفوس السخية، والأكف الندية، شهر يتنافس فيه الصالحون، ويتسابق فيه المحسنون، ولا شك أن الحسنة، تتضاعف في الزمان الفاضل، كما أنها تتضاعف في المكان الفاضل، فالصدقة في شهر رمضان، يزدادُ فضلها ويعظمُ أجرها.
تقوى الله سرًا وجهرًا.. خطبة المدينة المنورة
في المدينة المنورة، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. أحمد بن طالب حميد في خطبة الجمعة المسلمين بتقوى الله عز وجل سرًا وجهرًا.
وقال فضيلته: عباد الله.. إن لله آنية من أهل الأرض.. وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها، فالأبرار تغلي قلوبهم بأعمال البر، والفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم فانظروا همومكم، فإنما عمل المرء تبع لهم قلبه، وليس من الآنية مقبولًا عند الله إلا ما كان في طاعة الله، رقيقًا عند ذكر الله صافيًا نقيًا مما يكرهه الله ويأباه.
رياض الجنة.. حِلق الذكر
أضاف خطيب المسجد النبوي: والألسن مغارف القلوب وآية طهارتها وسلامتها إدمان ذكر الله تعالى، ومنه تعلم العلم وتعليمه والفقه في دين الله تبارك وتعالى، قال -صلى الله عليه وسلم-: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذكر.
وهي مجالس العلم التي يبين فيها الحلال والحرام وتوضح فيها الأحكام ويعرف الناس بربهم وبأسمائه وصفاته وأوامره ونواهيه سبحانه.
وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: من رزق اليقظة شح بالأوقات وحاسب نفسه على الأنفاس محاسبة الغريم، فقوَّم أعماله وأقواله، وجاهد في إخلاصها لوجه الله تعالى، ومَن توجه بقلبه إلى الله وجمع هم قلبه على مولاه كفاه ربه ما سواه.. قال -صلى الله عليه وسلم-: مَن كانت الآخرةُ همَّه، جعل اللهُ غناه في قلبه، وجمع له شملَه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمة.