hanih@iau.edu.sa
على مضض حسم الجدل حول ترويسة المقال. ذا آرش تعني القوس. لكنها أيضا اختصار لكلمة العمارة بعدد من اللغات الأوروبية. تبقى ازدواجية اللغة في كثير من أمورنا ظاهرة يرافقها الكثير من الجدل، وهي لا تعني الإخلال بلغة الضاد، ويبقى ذلك تفاعلا إيجابيا تمليه ظروف التطور والبناء.
عقد في الأول وحتى الرابع من هذا الشهر معرض العمارة والتصميم في الخبر تحت شعار (مينيماليزم) كما ورد في منشور المعرض، على مقربة من جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، والجامعة الوليدة في الجوار، وفي تزامن وتجاور ويا للصدفة الحسنة مع معرض الكتاب، وكأن الثقافة والفن قد تجاورا. والكلمة بين القوسين تعني التقليلية أو الاختزالية، وهو تيار عريض كان له شأنه في العمارة الحديثة وما بعد الحديثة إلى اليوم. وتأتي مناسبة المعرض هنا في مكانها. فقد أقيم في بناء ما زال تحت الإنشاء بجدرانه الخرسانية المكشوفة الخالية من أي تشطيب أو إضافة كانت، لكي يكون المعرض وكأنه اسم على مسمى.
إقامة المعارض ليست بالشيء الجديد، لكن ما هو جديد في هذا المعرض هو في مكانه ومحتواه والحراك الفني الذي رافقه. إن إقامة المعرض في بناء لم يكتمل بعد هو بحد ذاته حدث بعينه. إنه تطور نوعي في آلية الفكر للقائمين عليه والمشاركين فيه. ولأن العمارة وما ارتبط بها من فنون كانت مادة المعرض فليس أنسب مكانا من احتواء أعمال الفن تلك من بناء سيكون بعد انتهائه تعبيرا مباشرا عن تيار التقليلية الذي رفعه المعرض شعارا له. في هذا الجانب تحديدا أحرز المعرض والقائمون عليه قصب السبق.
وإذا كانت التقليلية أو الاختزالية كما يستدل من اسمها تعني القليل، عملا بالقول المأثور «ما قل ودل» إلا أنها في هذا المعرض وعلى العكس تماما قد أتت غنية غضة يافعة فتية بكل ما تفتقت عنه مخيلة كل من شارك فيه. عما تتحدث؟ عن معرض يتنفس فنا وعمارة من بابه لمحرابه. هل تتحدث عن مشاريع تخرج يكفيك من كل منها اسمه. هل تتحدث عن طريقة عرض المشاريع ورقيا أم رقميا. هل تتحدث عن مشاريع نوعية نسمع بها كثيرا في الأكاديميات لكننا لا نراها على أرض الواقع. هل تتحدث عن الفكر وراء تلك المشاريع والحماس المرافق لأصحابها عند شرحهم لها. أم هل تتحدث عن الواقع الافتراضي الذي ينقلك إلى عالم متخيل من العيش. إنه حديث عن ذلك كله. ولكل مشارك في عمله قصة تروى.
فقد اجتمع على أرضية ذلك البناء الأجرد معماريون وفنانون وأكاديميون ومزاولو المهنة وجمع غفير من المهتمين بالفن والتصميم، رجالا ونساء، محترفين وهواة، طلابا وخريجين. لقد كان التجمع استعراضا للفن بجهود ذاتية مستقلة تماما نابعة أساسا من شغف القائمين عليه بالفن والتصميم، قوبل بترحاب ومشاركة فعالة من قبل المشاركين فيه. لم ترافق المعرض آلة إعلامية، ولا بروتوكولات احتفالية، ولا تدابير بيروقراطية. لقد كان تنظيما من أصدقاء ومحترفي الفن والتصميم، وبحضور كل مهتم بالفن والتصميم. هذه العفوية، هذه البساطة في الطرح والتنظيم كانت تميزه.
ولأن العمارة أم الفنون فقد حفل المعرض بعمارة متنوعة نوعا وفكرا، وإخراجا. ولأن الإنسان يعيش معظم حياته داخل أبنيته فقد كان للتصميم الداخلي نصيب وافر من المعروضات تعكس التطور النوعي لهذا التخصص وما حققه من قفزات في السنوات الأخيرة من كلا الجنسين. كما ازدان المعرض بعدد لا بأس به من رسومات فنية ذات أسلوب تجريدي تارة وتمثيلي تارة أخرى. باختصار لقد كان المعرض تظاهرة فنية بامتياز.
ويبقى الحراك الفني الذي صاحب المعرض ربما أهم ما يميزه. في تلك الأمسيات وما رافقها من حراك فني اجتماعي يدرك المرء أننا حقا نعيش ربيع الفن. هذا المعرض بمنظميه ومشاركيه وبالفكر المرافق له يعد بمستقبل باهر في الفن والتصميم.... بالفن والعلم تسود الأمم.
أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل