غالية المطيري

لقد نشأتُ في أسرة متينة الروابط قائمة على مبادئ ثابتة.

أسرة الأب فيها له كل الاحترام والتقدير، والأم هي مركز العطاء والحنان، وإخوة وأخوات بينهم جو مفعم بالرحمة والاحترام والإيثار، وأضف إلى ذلك أن لي أخا هو خطي الأحمر الذي لا أسمح لنفسي حتى بالتفكير فيه بصورة خاطئة أو شعور سيئ هو أخي الأكبر.

أخي قدوتي بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد ودلالات، فهو متفوق حنون ومبدع في مجال عمله، حاصل على أعلى الشهادات ذو شخصية متميزة.

أما أنا فلم أٌنهِ تعليمي الجامعي، ولكني وسيم بعض الشيء ذو كاريزما، لذلك اتجهت إلى وسائل التواصل، وبالفعل حققت شعبية كبير وكثرت الإعلانات بل بلغت إعلاناتي رقما فلكيا، ومع تدفق الأموال إلى رصيدي بدأ القلق يكون رفيقي وبدأتُ أبحث عن المواضيع الغريبة، وتوصلت إلى حقيقة أنه كلما كثر إسفافي كثُرَ عدد المتابعين وزاد الرصيد.

صحيح أني أواجه برفض المجتمع وأجد في حسابي بعض الأصوات العاقلة الناصحة لي، وأشعر بتفاهتي أحيانا، ولكن كل هذا يذهب كلما زاد المتابعون وزادت الإعلانات وزاد الرصيد، وأتى يوم استهلكت كل تفاهات الدنيا، وبدأ يقل عدد المتابعين، وبدأت وسائل الإعلام بتجاهُلي عندها كان علي أن أبحث عن محتوى أشد تفاهة، لقد تنازلت عن خطي الأحمر وجعلت أخي وأهل بيته محتواي، وهكذا هي الشهرة نوع من الإدمان، مرض يقتل كل شيء جميل وكل قيمة تشعرك بإنسانيتك تجعلك تتنازل عن كل شيء في سبيل الجلوس على عرش قمتها.

لم يتحمل أخي تلك المقاطع التي صورتها دون علمه، مات أخي قهراً، نعم لقد قتلت أخي، العجيب أن المتابعين زادوا والرصيد زاد، أما أنا فلقد وقفت على قبر أخي لا أعلم بأي حق أقف على قبره، أحسست ببشاعتي وبشاعة كل متابع لي، وكتبت هذه الكلمات في جميع حساباتي قبل أن أنتحر في بثٍ مباشر.

أيها المتابع العزيز:

والمتابعة العزيزة:

لكم الفضل في كل ما أملك من مال وأرصدة في البنوك، لقد جعلتم مني إنسانا تفتح له الأبواب ويستقبله كبار الشخصيات، يمتلك القصور واليخوت والطائرات الخاصة، ولكن أخبروني أنتم ما الفائدة التي جنيتموها؟! ماذا قدمت لكم بمحتواي، التفاهة ذات السعادة، المال، أم لعلي أذهبت أحزانكم؟!

هل تعلمون أنكم حتى بانتقادكم لي في مجالسكم ارتكبتم نوعا من الغباء والسفه نعم هل تصدقون؟! من أنا حتى تُضيّعوا أثمن لحظاتكم بالحديث عني وعن أمثالي ممن أجلستموهم على عروش الشهرة الزائفة؟!

ومع كل ما قدمتموه لي إلا إني أكرهكم جميعا لأنكم شركاء لي في قتل أخي، لذلك قررت أن أنتحر في بث مباشر ليكون محتواي الأخير لذة الانتحار، ليفعل فعلي ذاك أبناؤكم وإخوانكم لتذوقوا ألم النار التي أشعلتم سعيرها داخلي.. تلك النار أنتم صانعوها وأنتم أيضا ستكونون حطبها، فذوقوا صنيع أيديكم، وتذكروا عند مشاهدتكم لأي محتوى، أو الإعجاب به، أو تفضيله أن الله سبحانه قد نهى وقال: «وَلا تعاونُوا على الإِثَمِ وَالعُدْوان واتقوا الله إنَّ الله شديد العقاب».