عبدالعزيز الذكير يكتب:A_Althukair @

الآن المقاهي العصرية تُقدّم للزبائن القهوة العربية في «ترمس» وتُسميها «دلّه».

المدقق في مسيرة وسطنا الاجتماعي والسلوك التكريمي سوف يرى ملازمة أن عملية التكريم متلازمة مع مشروب القهوة، بدليل كلمة «تقَهو» حتى لو كان المقدم شايا مثلا.

وفي قصيدة الشاعر العنيزي المرحوم محمد العبدالله القاضي (ت 1285هـ) يجد القارئ قِدَم العناية بالقهوة، حيث يظهر تغليب إعداد القهوة على إعداد الأطعمة والأشربة، في المنزل أو لإكرام ضيوف، فقال ضمن قصيدته المشهورة: -

زله على وضحى بها خمسة أرناق

هيلٍ وْمسمارٍ بالأسباب مسحوق

مع زعفرانٍ والشّمَطْري إلى انساق

والعنبر الغالي على الطاق مطبوق

حتى الأواني لها ميزة التصنيف، فقد قال المرحوم الشاعر علي البراهيم القَرِي يمدح قوما: -

حمّاسة الصاع لدْلالٍ حَوال النار مقطير

من صنع رسلان الأوّلْ جدّ كنعان وْبشاره

وكنعان وبشارة كلمتان كانتا تكتب على الدلّة لتدل على أنها (رسلان)

لاحظوا أن الشاعر ألحّ على ذكر ماركة معيّنة من صنع الشام.

لا بد أنكم لاحظتم مهارة فن التسويق عند بعض المقاهي بأن أوجدوا طلبا اسمه دلّه، تأتي إلى الزبون ومعها ما يحتاج من فناجين. وأخشى أن تروج الفكرة وينتج عنها وجود القهوة العربية سريعة التحضير فننسى طريقة صنعها وتقديمها وقياسات بهاراتها، وينتهي بنا الوضع إلى (كابوتشينو عربي).

نعم إعداد القهوة العربية فن لا يجيده إلا المُتمرس. فهي (أي القهوة) مُدللة إلى حد الهيام. ومن لا يعتبر هذا القول دقيقا فما عليه إلا أن يقرأ القصيدة المشهورة للشاعر المرحوم محمد العبدالله القاضي، التي ذاع صيتها، ومن قبلها صيت الشاعر القاضي يرحمه الله. حتى الآن لم يستطع شاعر من المحدثين أن يأتي بسرد طريقة (مشروبنا الوطني)، واختيار تناغم مفرداتها.

ولعلّ السبب الذي جعل من القهوة المشروب المفضل عند أبناء جزيرة العرب هو شبه الإدمان عليها، لكونها المشروب المتاح في وقتٍ كانت وسائل الاستيراد صعبة إبان الحربين العالميتين، وانقطع المشروب البديل، الشاي. أما القهوة فإن ظروف الحرب بعيدة عن المنشأ، وهو إما اليمن أو الحبشة وبعض أنحاء جنوب شبه جزيرة العرب.