MohammedAlHerz3@محمد الحرز

قبل أسبوع كتبتُ تغريدة، إثْر زيارتي معرض الكتاب الذي أُقيم بالشرقية، قلتُ ما هو نصه: (بالمصادفة رأيت في معرض الشرقية للكتاب الصديق الروائي محسن الرملي، وكان في صحبته شابان مبدعان من الأحساء، ظل يحدثني عن مواهب أحدهما بالموسيقى والآخر بموهبة القراءة بحماسة كبيرة، وشعرت بحرج؛ كوني لم أتعرَّف عليهما، وهما من نفس مدينتي. هل إلى هذا الحد نحن بعيدون كجيل سابق عنهم؟!!

طبعًا الشابان هما حمزة اليوسف ومحمد الخليفة، وقد علتْ وجهيهما ابتسامة تنمُّ عن البراءة الممزوجة بالانتباه لِما كان يقوله لي الصديق محسن الرملي حول موهبتهما، سواء في الموسيقى عند حمزة أو شغف القراءة وتميّزها عند محمد، وبالخصوص أن هذا الأخير حاصل على المركز الأول في مسابقة إثراء (أقرأ) في نسختها العام الماضي.

اللقاء كان عابرًا لم يتجاوز سوى دقائق، كنتُ في نهايتها دعوتهما إلى أن نلتقي بالأحساء، وأني أتشرَّف بهما كثيرًا.

تساؤلي الذي جاء في نهاية التغريدة أثار ردود أفعال كثيرة، بالخصوص من جيل الشباب، والتي كانت أغلبها ردودًا تؤكد أن جيلنا هو بعيد عن الاهتمام بهم، أو العناية بمواهبهم، وإبرازها بما تستحق، وأن تساؤلي هو نابع من صميم الواقع الذي هم يعايشونه.

في هذه المقالة لستُ في وارد إظهار تفاصيل الجدل الذي دار حول هذه التغريدة. لكنني وجدتها مناسبة للتعليق من خلال مقالي الأسبوعي حول ظاهرة القطيعة والتواصل بين الأجيال من زاوية الأدب والثقافة على وجه الخصوص.

قد يبدو من المألوف أن كل جيل يمارس الإبداع نراه يشتكي من الجيل السابق على عدم الاهتمام به، أو يشتكي من وصايته عليه، وهو ضمن هذه الحالة يحاول التمرد من خلال (قتل الأب)، أو الذهاب أبعد من ذلك، وهو مناصبة العداء لكل ما يمت للجيل السابق بصلة.

هذا هو الوضع تقريبًا إذا ما استعدنا تاريخ العلاقات بين جيل وآخر في كل المجتمعات.

لكنّ الاختلاف بين مجتمع وآخر يبقى محصورًا في السمات العامة التي تتصل بطبيعة الثقافة والإبداع التي تحكم هذا الجيل أو ذاك، فضلًا عن اختلاف مفهوم الجيل بينها.

وهي سمات تبرز من خلال تجربة المبدعين والمثقفين في الحياة، ودرجة انفتاح تجاربهم على الحراك العام، وانفتاحهم على العلاقات فيما بينهم، ومن ضمنها المؤسسات الرسمية والأهلية التي تمثل الثقافة في وجهها الرسمي والاجتماعي.

لذلك انطلاقًا من مراعاة هذه النظرة، وما تستلزمه من شروط يمكن الحديث عن العلاقة القائمة بين جيلنا والجيل اللاحق، وهي هنا علاقة مجازية، إذا ما افترض الكثير من مبدعي الجيل الحالي أن ثمة قطيعة قائمة، سببها نحن الذين لا نعترف أو نهتم بما ينتجونه من إبداع. للأسف هذا هو منطق الكثيرين منهم، على الأقل الذين أعرف آراءهم.

ولا أريد هنا الظهور بمظهر المنافح عن جيلي، أو المدافع عنه. لكن ما أريد إظهاره في سياق هذه العلاقة والتركيز عليه، هو بكل بساطة، ليس الاعتراف وإنما الحوار القائم على الحب والشغف وتبادل الخبرات، وليس الكتابة والإشادة والمدح بقدر ما هو أيضًا الإخلاص للتجربة في الحياة، والتي بالتأكيد ستتقاطع مع تجربة هذا المبدع من الجيل السابق أو من الجيل المجايل له.

وعليه لا توجد علاقة قصدية موجّهة من جيل إلى آخر، إنما هي علاقة عفوية نابعة من طبيعة الحراك الذي تشهده الساحة، إلا إذا كانت موجّهة بأدوات المؤسسات الرسمية ورؤيتها التي تريد أن تحتضن المبدعين والمثقفين من جميع الأطياف ومن جميع الأجيال، كما نراه حاليًّا في مشهدنا السعودي.