صالح بن حنيتم

عندما يعيش المرء بدولة ما أو بمنطقة من المناطق داخل وطنه لفترات طويلة بحكم العمل أو لأي سبب آخر ثم يغادرها، فمن الطبيعي أن تتكون العلاقة الودية وتُبنى المواقف مع الناس والمكان في تلك المناطق على مر السنين، ولذا نجد مَن يحن للعودة إلى الأماكن التي قضى فيها ردحًا من الزمن، فالأماكن وزملاء العمل والجيران، كلها عوامل تركت في النفوس العديد من الذكريات فلم تعُد الأماكن عند مَن يعشق العودة والحنين إليها من الجمادات، بل كتلة مشاعر متبادلة بين المكان، ومن سكنه تبعث في أرواح مَن عاشها وتعايشها الشوق والحب والحنين، وأبلغ ما قيل في مثل هذه المواقف ما قاله امرؤ القيس عندما عاد للديار التي عاش فيها بعد أن أصبحت أطلالًا: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) (الله يلوم من يلومه)!!

ويزيد من جذوة الشوق مشاهدة مقر النشأة ومرتع أيام الصبا، وقد وصف الشاعر العباسي أبو تمام ذلك حول الحنين، كم منزلًا في الأرض يألفه الفتى وحنينه دومًا لأول منزل..

لحسن الحظ كنت شاهد عيان على العديد من قصص ومواقف الحنين لتواجدي ضمن فريق العمل المنظم لعقد لقاء للمّ شمل المتقاعدين، (expat reunion) الذي تقوم به شركة أرامكو، والذي من خلاله تمنح الموظفين السابقين الفرصة لمشاهدة الأحياء التي عاشوا فيها والمنازل التي سكنوها وتربى فيها الأبناء الذين أصبحوا آباء وأمهات، والجميل في هذا التجمّع أن رتّبت لهم الشركة العديد من الزيارات للتعرف على ما حدث من تغييرات جوهرية في بلدنا، فكانت هناك زيارات لعدد من المدن والمناطق والمحافظات، شملت كذلك مناطق الشركة، وتبقى الرحلة إلى شيبة الرحلة الأميز، حيث شاهدوا الغزلان الرشيقة تتراقص على الرمال الذهبية، فتحية للشركة على عقد مثل هذه الفعاليات، خاصة بعد أن انفتح البلد على السياحة، وأقترح أن تستنسخ فكرة لمّ الشمل من قِبَل العديد من الشركات والهيئات والمؤسسات؛ لما فيه من مكاسب اقتصادية وثقافية وتسويقية، والكلفة على مَن يرغب في العودة لذكريات الماضي التي عاشوها، كما فعلت أرامكو، وكما يقال ليس مَن سمع كمَن رأى، ولقد شاهدت كل ما سبق ذِكره عندما تحوَّل الحنين والذكريات إلى دموع، والأحاديث إلى عبارات جيّاشة من الحب والمشاعر رواها كل مَن عاش سنوات في السعودية أثناء عملهم مع شركة أرامكو عندما عادوا إلى المملكة، بعد غياب عشرات السنين، منهم مَن عاد مع زوجته، ومنهم مَن عاد ومعه الأبناء والبنات والأحفاد.

كانت تجربة فريدة للجميع منظمين ومتطوعين، خاصة الضيوف من مختلف دول العالم، وكأنني أول مرة أكتشف أننا بلد سياحي وشعب مضياف، ولدينا، بفضل الله، شركة مكاتبها ومشاريعها المشتركة في جميع القارات، وتُعدّ امبراطورية في عالم تصدير الطاقة لا تغيب عنها الشمس..

Saleh_hunaitem@