التوظيف في زمننا الحاضر من أشق العمليات ليس على الخريجين فحسب، بل حتى لأصحاب العمل الذين لا يجدون إما ميزانيات كافية للتوظيف أو حتى لبحثهم عن نوعياتٍ خاصةٍ من أصحاب الخبرات تسد النقص الكبير الذي يجدونه لتنفيذ أعمالهم، وما قبل التوظيف هناك دور برز حديثًا من مجتمعات المجتمع المدني، القطاع الثالث للتدريب والاهتمام بالخريجين الجُدد، وقد برزت جمعية التوطين الهندسي بجهودها المشكورة في تدريب المهندسين الجُدد على المهارات التي يحتاجها سوق العمل، ومهارات التقديم إلى الوظائف عبر عدة دورات تخصصية، وملتقيات علمية تدرّب فيها الخريجون الجُدد من أصحاب التخصصات الهندسية على المهارات التي تساعدهم في الحصول على وظائف بسوق العمل، وقد جاءت فكرة هذه الجمعية من معاناة رئيس مجلس إدارتها المهندس محمد الروق عندما تخرّج من جامعته في أمريكا في تخصص الهندسة الصناعية ظانًّا أن الكل سيتلقفه للعمل في منظمته بعد عودته، ولمَ لا وهو في تخصص هندسي مميّز ومطلوب نسبيًّا في سوق العمل، إلا أن واقع الحال شكَّل له صدمة لم يكن يتوقعها، فقد قدَّم على العشرات من الشركات الصناعية والمنظمات، لكن دون جدوى؛ مما دفعه إلى تحليل هذا الموقف العجيب الذي صار إليه، وجعله يراجع الإجراءات التي قام بها للتقديم على الوظائف، ويعمل على تحسينها، حتى استطاع أن يعرف مَواطن الخلل في طلبات التوظيف التي قدَّمها، وهو الذي دفعه لاقتراح إنشاء هذه الجمعية المباركة التي تهدف لمساعدة الخريجين في تحسين طرق تقديمهم للوظائف، وتقديم دورات تدريبية تهيّئهم لسوق العمل بشكلٍ أفضل، حيث لوحظ أن غالبية الجمعيات المهنية هي لأصحاب المهن تعمل معهم لتعزيز قدراتهم وتزويدهم بالجديد من العلوم والمهارات في تخصصاتهم، لكن على حدّ علمنا لم نلحظ جمعية مثل جمعية التوطين الهندسي التي بجهودها المشكورة تُثري المهندسين الجُدد بالعديد من الخبرات والدورات والورش التدريبية، وتساعدهم في الانخراط في سوق العمل بشكل أسرع.
ولعل هذه التجربة الثرية التي قامت بها هذه الجمعية لتدريب المهندسين تتكرَّر عبر جمعيات أخرى للتخصصات الجامعية المختلفة؛ لتقوم بدورها في تأهيل خريجي هذه التخصصات لسوق العمل عبر إقامة دورات تخصصية لهم، وتدريبهم في برامج تؤهّلهم لسوق العمل، وتساعدهم في التغلب على المتطلبات التي تفرضها كثير من الجهات على الخريجين الجُدد، وهو أمر برأيي ليس بصعب ولا مستحيل، خاصة مع وجود متطوعين راغبين من أصحاب هذه التخصصات في خدمة زملائهم الجُدد من نفس تخصصاتهم، وهو هدف يتوافق مع رؤية مملكتنا الغالية في زيادة أعداد المتطوعين، وزيادة أعداد الجمعيات النافعة في مجتمعنا.
ولعلنا قريبًا -بإذن الله- تعالى نسمع عن جمعيات للتوطين المالي والإداري والتقني بمختلف تخصصاتها.