تشهد الولايات المتحدة والعالم عدداً من التغيرات الهائلة، خاصة على صعيد القطاع المصرفي، الذي يعاني من التشديد النقدي المفرط من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وانهيار عدد من البنوك الأمريكية والسويسرية نتيجة هذا التشديد، مع تزايد مديونية الولايات المتحدة لمستويات غير مسبوقة، وكل هذا ينعكس بالسلب على قوة الدولار الأمريكي، الذي يتوقع أن تتقلص قوته مقابل سلة من العملات العالمية الأخرى، إضافة إلى خسارته لمركزه بوصفه العملة الاحتياطية العالمية الأولى، أو كما يصف المحللون: سيخسر الدولار الملك عرشه لصالح مجموعة من العملات العالمية الأخرى، أو تضعف قوته على أقل تقدير، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات العالمية، واستخدامه في فرض العقوبات الاقتصادية على مجموعة من الدول.
في هذا الجانب، قالت نيويورك بوست على موقعها، إنه من يتطرق إلى الشأن الدولي بالمتابعة سيلاحظ أنه في كل مكان يلتفت إليه هناك أحاديث حول العقوبات الاقتصادية الأمريكية المستمرة ضد روسيا، وعلى البنك المركزي الروسي والبنوك والشركات الروسية منذ أن تدخلت موسكو في أوكرانيا قبل أكثر من عام بقليل، واستخدام الدولار كسلاح اقتصادي قوي في هذا الصدد.
سلاح العقوبات الاقتصادية
ومن دافوس إلى آسبن، يروج مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية للحجم والنطاق غير المسبوقين لهذا السلاح الاقتصادي القوي.
قامت فرق العمل التابعة للحكومة الأمريكية بعمل لوائح عقوبات اقتصادية، أوقفت وعطلت عشرات اليخوت والطائرات، وحجبت مئات الملايين بل المليارات من الدولارات من أصول البنك المركزي المشمول بالعقوبات، وعزلت المؤسسات المالية الروسية عن نظام سويفت المالي العالمي.
لكن وفق ما ذهب المحلل، جاي نيومان، فإن العقوبات القائمة على قوة الدولار الملك لعبة قديمة، ففي عام 432 قبل الميلاد، سحقت أثينا منافستها ميجارا، من خلال حظر تجارها من التعامل في الأسواق في أثينا.
وبالنسبة لحكومة الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، فإن العقوبات الاقتصادية ليست مجرد أداة ثانوية، بل أصبحت أداة مركزية في السياسة الاقتصادية والخارجية.
كما يخضع أكثر من 10000 شخص وعشرات الدول للعقوبات في جميع أنحاء العالم، ومن مصلحتهم جميعاً تراجع قوة الدولار.
بدائل للدولار
وتتشكل ائتلافات مالية الآن لتجنب العقوبات الحالية المعتمدة على الدولار، والحماية من مخاطر العقوبات المستقبلية.
ينطوي جزء كبير من الإجراءات على إيجاد بدائل للدولار باعتباره العملة الأولى للعالم، وإذا كان بإمكان الدول الاحتفاظ باحتياطيات من عملات أخرى أو وضعها في أصول مادية مثل الذهب أو السلع، كما يُعتقد من قبل الكثيرين، فهم قد قطعوا بذلك منتصف الطريق إلى الأمان بعيدًا عن هيمنة الدولار.
والصين على سبيل المثال، تعتبر استبدال الدولار عنصرًا أساسيًا في حملتها للفوز الاقتصادي على الولايات المتحدة. ويرى محللون، إنه مهما كان الضغط ضروريًا، فقد أدى الضغط من خلال العقوبات إلى تسريع سعي الصين ودول أخرى لاستبدال الدولار.
بينما لا تزال مجموعة من الخبراء تصر على أنه لا يوجد بديل للدولار، فإن هذا غير صحيح، لأن الدولار سيهيمن طالما أنه يخدم مصلحة أولئك الذين يستخدمونه. بمجرد أن يبدأ الدولار في تعريض الأصول لطيف واسع من الدول للخطر، فمن المؤكد أن تظهر أدوات تجارية بديلة، ودول عدة تسعى في ذلك.
اهتزاز قوة أمريكا الاقتصادية
ويرى خبراء، إن التحول بعيدًا عن الدولار سيكون ضربة كبيرة لمكانة أمريكا الدولية. كما تبحث الأطراف الدولية عن بدائل أرخص لاستخدام الدولارات في كل معاملة.
وفي القرن الحادي والعشرين، ستصبح قيمة العملة - بما في ذلك الدولار - تنافسية بشكل متزايد.
وإذا كان هناك طلب أقل على الدولار، فإن قيمة الدولار ستنخفض، وكل شيء سيصبح أكثر تكلفة، ليس دفعة واحدة، ولكن بمرور الوقت. وليس من المستبعد أن نتخيل أن الولايات المتحدة تمر بأزمة ديون لأنه لا أحد يأتي لشراء سنداتها.
وقتها سيصبح الدولار الأمريكي مجرد عملة أخرى من بين العديد من العملات. وفي النهاية، إذا فقد الدولار بريقه، فستخبو كذلك قدرة الولايات المتحدة على إظهار قوتها.