أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، المسلمين بتقوى الله وتزكية الأعمال والأقوال بالتقوى والإخلاصْ، وأن يبادروا بالتوبة.
ودعا غزاوي، في خطبة الجمعة، اليوم، التي ألقاها بالمسجد الحرام، المسلمين بالتقوى في شهر الصيام، ولتكن صفةً راسخةً لكم على الدوام وضرب مثلا بقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وأضاف قائلاً: أيها المسلمون يقول سبحانه ممتنا على خلقه وَما بِكم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ فالنِّعم كلها من الله وحده، لا من أحد سواه؛ فلنرغب إلَيْهِ أن يلهمنا ويوزعنا شكرها، وإن من نعمة الله على عبده وفضله وإحسانه أن يستبقيَه حيا صحيحًا معافى حتى يدرك مواسم الخيرات فيتزود من القربات ويسابق في ميادين الطاعات.
مجاهدة النفس
تابع غزاوي: نِعم المجاهدة أن تغلب هوى نفسك وتزكيَها، ونِعم الأرض نفسك إن بذرت الخير فيها، فقد قال خالق النفس وباريها: قد أفلح من زكاها، والسعيد من نظر إلى الدنيا اعتبارًا لا اغترارًا، وعمل الخير بدارًا لا انتظارًا، فبادر بالعمل واشتر نفسك اليوم فإن سوق المغانم الأخروية قائمةٌ والثمنَ موجودٌ والبضائعَ وافرة.
وحث إمام وخطيب المسجد الحرام، قائلًا: أيها المسلمون أقبل علينا رمضان من جديد بفضل الله، لكن تأملوا في حالنا بعد بلوغ شهرنا فمنا من شهد معنا أول الشهر إلا أنه ما لبث أن باغته الأجل فارتحل، ومنا من أدرك رمضان إلا أنه عاجز عن الصيام والاغتنام لمرضه أو كِبَر سنه، ومنا من هو محروم فقد استحوذ عليه الشيطان فقطع صلته بدينه الذي هو عصمة أمره، فلا صلاة ولا صيام، وإنما اكتفى أن ينتسب اسمًا للإسلام.
الصيام والتزود من الطاعات
وأردف: منا من وفقه الله فحرَص على الصيام والتزود من الطاعات، وهم درجات وأفضلهم وأسعدهم حظاً ذلك الموفق الذي قدَر لرمضان قدره وعرف شرفه وفضله؛ فأقبل عليه أفضل إقبال، وشمّر عن ساعد الجد واجتهد لينال النصيب الأوفر من الخير وصالح الأعمال.
وأكمل: أيها المسلمون إن النفوس يحصل لها شيء من الشرود والابتعاد والغفلة والفتور، ثم بعد ذلك يأتي هذا الشهر ليصقُلَها، ويعيدَها إلى جادتها، فتستقيمَ على أمر الله، وتحصلَ لها الذكرى واليقظة، كما يكون للعبد من الفكر وحياة القلب ما يحمله على طاعة مولاه، والكف عن كل ما يَشينه ولا يليق، ويجد في قلبه من الرغبة في الخير ما لا يجده في غير هذا الشهر، فلنستشعر ما نحن فيه ونقبلْ بتوبة نصوح ونستكثرْ من الطاعات والباقيات الصالحات في موسم الخيرات والنفحات، ولنبادر بالاغتنام ونملأ النفوس بالإيمان؛ لنحقق التقوى ورضى الرحمن.
وقال إن من الحوافز التي تدفع لاغتنام هذه الأيام قوله عليه الصلاة والسلام إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ وقوله صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
الاقتراب من الله
استطرد غزاوي: معلوم أن لكل نفس بابًا من الخير يفتح لها فتلج فيه وترتقي، فإذا وجدت من نفسك همةً ونشاطًا في جانب من جوانب العبادة فأسلكه، ولا تتوان ولا تقصر وزد فيه؛ لعل الله يجعل زكاة نفسك فيه، فمن فتح له في الصلاة فليكثر، ومن فتح له في قراءة القرآن فليكثر، ومن فتح له في الدعاء فليكثر، ومن فتح له في الذكر فليكثر، ومن فتح له في الصدقة فليكثر، وليشغل العبد وقته بما يزيده قربة ورفعة عند مولاه.
وحذر من الغفلة والعصيان وخسارةَ المغانم في شهر الغفران والعتق من النيران، فما أشد ندامة صاحبها وأعظمه من حرمان، والعاقل من عرف قدر عمره ونظر لنفسه في أمره فاغتَنَمَ ما يفوتُ استدراكُه؛ فربما يكون بتضييعه هلاكُه.
تحذير من انتهاك قدسية رمضان
وبيّن غزاوي، أنه إذا كان بعض العلماء من السلف يترك دروس العلم في رمضان ليقرأ القرآن ويكثر من تلاوته، أفلا يجدر بنا نحن أن نحافظ على أوقاتنا ونحذر أن تشغلنا الصوارف والملهيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات وبرامج الشبكات العنكبوتية والفضائية، وما شابه ذلك. ورمضان فرصة عظيمة للتذكر والاعتبار والاتعاظ؛ فالنفوس فيه مقبلة تواقة للخير؛ فجد واجتهد أيها الموفق وحث غيرك، محذرًا من انتهاك قدسيةُ الشهر الفضيل وتعكير صفوُ أيامه ولياليه بارتكاب المآثم والذنوب.
وأشار إلى أن الصوم على الطريق الذي شرعه الله يفطم نفوسنا عن المألوفات السيئة، ويحررها من أسر العادات الخاطئة التي تأسرنا أسرًا؛ فيكون العبد حرًا لربه ومولاه، لا تُؤسَرُ نفسُه ولا تنقاد ولا يكون له نوع عبودية لغير ربه وخالقه، هذه العبودية قد تكون للبطن، وقد تكون للفرج، وقد تكون للسان، وقد تكون للمال، وقد تكون لغير ذلك.
إمام المسجد النبوي يوصي بالتقوى
في المدينة المنورة، أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي، المسلمين بتقوى الله عز وجل في موسم تتجلى فيه معالم التقى ويتحلى المؤمنون من صنوف العبادات بأبهى الحلى.
وقال فضيلته، إن منزلة شهر رمضان بين الشهور بمنزلة الربيع من الزمان, والجوهر النفيس من التيجان.
وأضاف الدكتور الحذيفي: تأملوا هذا الموقف المهيب والمشهد العجيب الذي راوه أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، صعد المنبر فقال: (آمين آمين آمين) قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين قال: إن جبريل أتانى فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين ،فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل :آمين ،فقلت :آمين.
ووصف فضيلته شهر رمضان بأنه شهر تقبل فيه النفوس والأرواح على ربها إقبال الصادي على المشرع الدفاق, وتنطلق فيه روح الجوارح والألسن إلى الخير انطلاق الجواد في السباق.
الصوم مدرسة من مدارس الإيمان
قال إمام وخطيب المسجد النبوي، إن الصوم مدرسة من مدارس الإيمان ومعراج الى منزلة الاحسان، فهو عبادة تتحقق فيها معاني الإخلاص لله، وصدق العبودية له فحال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقريبا في الصورة الظاهرة، كما لأنه يميز الممسك من غير الممسك بظاهر حاله، فاختص الله بهذه العبادة وأضافها لنفسه.
وختم الشيخ الحذيفي، قائلا: في شهر رمضان تتجلى نعمة الله تعالى بهذا الدين الذي شرعت فيه هذه العبادات العظيمة تحقيقا لمصالح كبرى ومقاصد عظمى من تربية المؤمن على الصبر، وقمع النفس عن شهوتها، وشعور الغني بحرارة الجوع عند الفقير وتزكية النفس وجلاء مرآتها حتى تشع في أنحائها أنوار القرآن.