هناء مكي

قال العرب في الحرب: «من لديه حيلة فليحتال» وقالوا: «الحرب حيلة»، ولأننا لسنا في أزمنة حروب، فالحرب الحقيقية في زمننا تكمن في كسب العيش وكفايته بما تُمليه الحياة العصرية من دعة؛ لذا يحارب الفرد للحصول على فرصة عمل أو خلقها، فهو في كل الحالات سيخوض حربًا في سوق العمل؛ لانتهاز الفرص، وفي العمل لرفع مكاسبه، أو حين يكون صاحب العمل سيقود حربًا لنجاح مشروعه بكل الحِيَل المتاحة حتى لا يخسر أو حتى يكون أكثر ربحًا؛ لذا فالحرب من يقودها اليوم هم التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وبهذا يُشرعون الحِيَل في حروبهم «فكل شيء جائز في الحرب».

جالت في خاطري كل تلك الأفكار، وأنا أتسوّق استعدادًا للشهر الكريم، بالذات وأن الموسم الرمضاني جاء بعد عدد من المناسبات التي حشدت لها الأسواق التجارية بكل ما أوتيت من فرص، وعليه فإن الأسعار التي ترتفع بالعادة في هذا الموسم بقيت كما هي مرتفعة، ولم يقم التجار إلا بدعاية لعروض ليست وهميّة، ولكنها مُبالغ فيها، فالأسعار ليست مختلفة عن الأسعار الحقيقية، وبعضها بالفعل ارتفع سعرها.

منذ سنوات والتجار يعوّلون على مكاسب الموسم الرمضاني، فيظهرون جشعهم، ويتعمّدون رفع الأسعار؛ لأن الناس سيشترون مضطرين، قد لا يكون التجار المحليون هم السبب، ولكن بات هذا الموسم بداية الارتفاع التدريجي لأسعار المواد الاستهلاكية، وبالذات السلع الغذائية التي يكون عليها إقبال كبير، وعلى الرغم من أن المستهلك اليوم أكثر وعيًا، وصار يقتصد ويستعد للموسم بطرقٍ تجنّبه الاضطرار، إلا أن التحكم في الأسعار في هذا الموسم هو أحد الطقوس التي يعوّل عليها التجار بالحيل الأخرى التي تجذب المشترين.

لذا حين ذهبت للتسوق قبل بداية الشهر الفضيل، كنتُ مستغربة من العروض التي نادى بها أصحاب «الهايبرماركت» بالذات، ولكن الحقيقة أن الأسعار لم تتغيّر، وما تغيّرت بنسب ضئيلة، هي على بعض المواد الاستهلاكية التي لديهم في المخازن؛ لترتفع في سلع أخرى مركونة على الرفوف الداخلية؛ ليكون هناك تفاوت بين الأسعار في السلع، بعضها ارتفع وبعضها انخفض بنسبة بسيطة وغير محسوسة أشبه بتوازن يجعلك كمشترٍ تخرج وأنت لم تستفد من العرض أبدًا.

حِيَل التجار باتت قديمة، وصار المستهلكون يدركونها جيدًا، ولكن الحقيقة تكمن في التنافسية بينهم التي تكون لصالح المستهلك حتى لو كان الفرق بسيطًا للغاية، وكأن المستهلكين والمشترين يريدون سببًا للاختيار والتفاضل بين التجار للسلعة الواحدة، في زمن لم يعُد للمشتري «الكلاسيكي» الذي يحافظ على متجره كزبون دائم، وفاء؛ لذا يلجأ التجار للحيلة لاستمرار كسبهم.

الأسعار ترتفع ولا تنخفض في الموسم الرمضاني، فهو الموسم الاستثنائي، ولكن الغريب أن ترتفع أسعار المواد الغذائية مع قرب الموسم في أغلب الدول الإسلامية إن لم يكن جميعها بنِسَب متفاوتة وفروق القدرة الشرائية، في حين أن منظمة الفاو تؤكد استمرار تراجع أسعار الغذاء العالمية، وفي تقريرها الأخير الصادر بداية الشهر الحالي كشفت أن متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية قد بلغ 129.8 نقطة في فبراير 2023، أي بانخفاض هامشي بنسبة (0.6 في المائة) عن مستواه المسجّل في يناير، مواصلًا بذلك تراجعه للشهر الحادي عشر على التوالي.

وفي ظلّ التراجع الأخير، انخفض المؤشر بما يصل إلى 29.9 نقطة (18.7 في المائة) عن الذروة التي بلغها في مارس 2022. وقد عكس التراجع الهامشي لمؤشر أسعار الأغذية في فبراير انخفاضاتٍ كبيرة في مؤشر أسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان، إلى جانب تراجع طفيف في مؤشر أسعار الحبوب واللحوم؛ مما يعوّض بأشواط الزيادة الحادة في مؤشر أسعار السكر.

وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب 147.3 نقطة في فبراير، أي بتراجع طفيف (0.1 في المائة) عن مستواه المسجّل في يناير، و2.0 نقطة (1.4 في المائة) عن المستوى الذي سجّله قبل عام.

@hana_maki00