اليوم- طاهر عبد العزيز

شهد العرب لها بفحولتها في الشعر وتفردها في الرثاء بقصائد تنبع من قلب ملتهب بنار فقد الأحباء، حتى قال عنها النابغة الذبياني، وهو كبير شعراء الجاهلية في زمانه: الخنساء أشعر الجن والإنس.

وحين أنشدت بين يديه في سوق عكاظ قال لها: اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين، ولولا أن هذا الأعمى (يعني الأعشى) أنشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا الموسم.

وبين حياة امتلئت حزنًا على مقتل أخويها في الجاهلية، وأخرى اتسمت بالرضا بعد استشهاد أبنائها الأربعة في الإسلام، استرسلت الخنساء في قول الرثاء الممزوج بالمدح والفخر، حتى اتسم شعرها بذلك ونبغت فيه.



وكان أخوها صخر مقرب إليها بشكل خاص، فكان يخصّها دون غيرها، ويُكرمها، ويُحسن إليها، وبدورها كتبت فيه الشعر تمدحه في حياته وأكثرت من رثائه بعد وفاته حتى ملأت الدنيا بكاءً عليه واشتهرت بمرثياتها الصادقة في التعبير عن فجيعتها.

من الجاهلية للإسلام

عاشت الخنساء في الجاهلية زمنًا، واشتهرت فيه بشعرها الحسن، الذي حازت به إعجاب كبار الشعراء من فحول الجاهلية.

وحين برزت رسالة الإسلام وانتشر صيتها بين العرب، أقبلت القبائل على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) معلنة مبايعته ودخولها دين التوحيد، وكان من بينهم قوم الخنساء.

دخلت الخنساء الإسلام مع قومها بعد وفودهم إلى النبي- مشاع إبداعي


وأدركت الخنساء الإسلام، حين قدمت مع قومها على النبي معلنين متابعتهم له، فأسلمت وحَسُن إسلامها، وتبدّلت بواعث بكائها، فصارت تقول، كما روى ابن قتيبة: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له اليوم من النار.

شاعرة الإسلام وأم الشهداء

كان النبي معجبًا بشعر الخنساء محبًا لسماعه، حتى أنه كان يقربها منه ويستنشدها ويستزيدها قائلا هيه يا خنساء.

وبعد وفاة النبي شاركت الخنساء في عدد من حروب الفتوحات الإسلامية، بين مجمل النساء المشاركات في خدمة الجيش والقيام على أمره، ومن بين ما حضرته كانت معركة القادسية التي استشهد فيها أبناؤها الأربعة.

فقدت الخنساء أبنائها الأربع في معركة القادسية- مشاع إبداعي


وورد عن الخنساء أنها جمعت أبنائها ليلة المعركة وأوصته بالجد في القتال، وقد فعلوا، حتى قتلوا عن آخرهم، ولمّا بلغها خبر استشهادهم، لم تزد عن قولها: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربِّي أنْ يجمعني بهم في مستقرِّ رحمته.

وعاشت الخنساء بعدها فاقدة كل أحبائها من إخوة ثم أبناء حتى وافتها المنية عام 664 م، لتلقى وجه ربها وتلتحق بأبنائها راضية بعد حياة مليئة بالحزن.