يبدو أن مشكلة هدر الأطعمة بشكل عام، وفي رمضان بشكل خاص ما زالت مستمرة، وهي تحتاج فعلا إلى الكثير من التوعية المجتمعية، والحوافز والقوانين والأنظمة لأنه في زمننا الحالي أصبحت صناعة الأطعمة تكلف الكثير بشكل مباشر وغير مباشر. فهناك زراعة وحصاد، ونقل وتخزين وتوزيع، وطهي وتحضير وغيرها من سلسلة طويلة من الأعمال والإعدادات ليصبح الأكل جاهزا على طاولة الطعام. وكل مرحلة تستهلك طاقة وجهدا وساعات عمل وأعباء مالية متعددة. بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والمناخية المترتبة على ذلك.
وكل ما ذكرناه آنفا يدل على أنه ليس من حق الفرد هدر الطعام والشراب كيفما شاء؟! فقد أصبحت هذه الأمور حاليا مترابطة وتتأثر بعضها ببعض، ولذلك هي ليست مسألة شخصية، بل مسألة مجتمعية تخصنا جميعا. فهل نحتاج إلى مكافآت كحوافز للتشجيع (قسائم أو نقاط مشتريات)؟!. هذه المسألة تحتاج إلى دراسة أكثر وتوصيات عملية واقتصادية، فلعلها تكون سببا في تغيير السلوك المجتمعي المتكرر منذ زمن؟!. حيث إننا نرى بوضوح انكباب الناس على المحلات التجارية والسوبر ماركت والبقالات وغيرها بشكل مكثف خلال الشهر الفضيل أو المواسم. وحتى اليوم ما زلنا نرى بعض الفيديوهات الصادمة لكثرة الأطعمة المهدرة. نعم، هناك جمعيات متخصصة في حفظ الطعام، وهي تقوم بجهد كبير ومشكور، ولكن يظل وعي الفرد وسلوكه نحو قضية الهدر يحتاج إلى الكثير من التغيير والتحسين!
ومناسبة حديثنا عن هذا الموضوع أن يوم (30) مارس من الشهر الحالي يوافق (اليوم الدولي للقضاء على الهدر). عالميا وبحسب هيئة الأمم: «فالبشرية تنتج ما يقدر بنحو (2.24) مليار طن من النفايات الصلبة سنويا على مستوى المحليات، ولا يدار منها في مرافق خاضعة للرقابة سوى (55) في المائة فقط. وفي كل عام، يفقد أو يهدر ما يقرب من (931) مليون طن من الطعام».
وأما محليا وبحسب الأرقام المعلنة سابقا، فإن هدر الغذاء سنويا يكلف المملكة (40) مليارا سنويا، فيما تبلغ كمية الهدر أكثر من (33%). ومن المؤكد أن هناك الكثير من الحلول على سبيل المثال لا الحصر، حفظ الطعام وتوزيعه للمحتاجين، ومنها تحويله إلى أسمدة أو طاقة. وهذا يحتاج إلى عمل وتنسيق على مستوى الأسرة والمدرسة والمؤسسات والشركات. وكذلك توعية عامة، وأنظمة وقوانين لتتحول المسألة إلى عمل مهني رسمي لإنتاج الطاقة بشكل يستفاد منه على نطاق واسع، وأيضا أسمدة للاستعمال المحلي أو التصدير الخارجي، ويمكن أن تتحول إلى تجارة ذات نفع ومردود مالي، وكذلك حفاظ على البيئة والمناخ بشكل عام.
ولابد بين الفينة والأخرى أن نذكر أنفسنا دوما بقوله سبحانه وتعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين». وأيضا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة». وفي الأثر القول المشهور: «لا تسرف ولو كنت على نهر جار» والمتتبع لقضية الإسراف سيجد الكثير والكثير من الأدلة والأحاديث والأقوال والمأثورات والقصص، ولكن المحك الحقيقي هو التطبيق. ولذلك حان الوقت للانتقال من التنظير إلى التنفيذ بشكل فعال، وقد يساعدنا على ذلك استخدام التقنية الحديثة، والتطبيقات المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأنظمة والقوانين والحوافز والمكافآت.
وحسبنا من ذلك كله، تلك القصص التي حدثنا بها أجدادنا وآباؤنا عن المجاعات والعيشة الصعبة والقاسية التي كانوا يعانون. بل إن المشاهدات اليومية عبر مختلف وسائل الإعلام المتنوعة للمآسي التي وقعت لبعض دول العالم من مجاعات أو حروب وتشرد وندرة للزاد والطعام تؤكد أهمية هذه القضية، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على البيئة والمناخ نتيجة الهدر والإسراف والبذخ.
abdullaghannam@