د. محمد حامد الغامدي

- عودة إلى المياه الجوفية الإستراتيجية. قضيتُ أربعة عقود دفاعًا عنها، ويتجدد؛ لأنها قضية متجددة همًّا، وأهمية، ومسؤولية. تعاني جورًا في الاستنزاف وفرطًا في الاستهلاك. هي أغلى حتى من دمائنا. هل أخذت حقها من الاهتمام والمسؤولية؟ هل تعاظم الوعي بأهميتها؟ هل تم فرض حمايتها وترشيد استخداماتها؟ أسئلة أطرحها بهدف التفكير المسؤول، وتحريك المياه الراكدة.

- أقول وبفخر إن حديثي وكتابتي المستمرة عن مياهنا الجوفية هو مشروع خير، ورسالة عظيمة لحياتي العلمية. أشعر براحة وسعادة عندما أرى بعضًا مما طرحته تم تفعيله، رغم كونه استغرق من عقدين إلى ثلاثة عقود. المؤلم وخلال هذه السنين أننا خسرنا المزيد من المياه الجوفية الثمينة والنادرة.

- أيهما الخيار الإستراتيجي الأفضل للأجيال القادمة، مياه التحلية أم المياه الجوفية بنوعيها المتجدد وغير المتجدد؟ وقد تناولت كتبي العشرة الجواب. لكن السؤال يتجدد وفقًا لمعطيات متغيّرة. الأجوبة الإستراتيجية تعتمد على حقائق وفكر إستراتيجي يعمل لتحقيق ضمان استدامة المياه دون وجل وقلق النضوب.

- لماذا تغيب البيئة أثناء الحديث عن القطاعات المستهلكة للمياه؟ كيف لنا تأمين المياه للبيئة؟ لماذا البيئة مهمة؟ إنها تعادل في أهميتها القطاعات الزراعية، والسكنية، والصناعية مجتمعة. يكفي أن المطر - مصدر المياه العذبة الطبيعي- مرتبط نزوله وكمياته بسلامة البيئة وصحتها. فرض البيئة كقطاع رابع سيؤثر وبشكل إيجابي عند رسم الإستراتيجيات.

- لماذا نترك المياه الجوفية ضحية لاستنزاف القطاع الزراعي العشوائي الجائر؟ سؤال تكرر في جميع كتبي العشرة.

- ما يهمّ المواطن هو الماء وليس مصدره. لماذا يتم فرض مياه التحلية كخيار إستراتيجي؟ يمكن لنا إلغاء التحلية، والاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة لكل الأغراض. قدّمت لهذا في كتبي. فالأمر بحاجة إلى رسم إستراتيجية بيئية تؤسّس للتخطيط الهادف والبرامج الناجحة. نتطلع لقانون يطبّق على الجميع، ويحافظ على استدامة المياه الجوفية وتغذيتها، ويعمل على ترشيد استعمالها بكفاءة عالية. هل هناك تضارب في المصالح وتناقض في الأهداف، يعمل على التضحية بالمياه الجوفية؟

- نواجه خطورة الاعتماد على إنتاج التحلية من الماء. أيضًا نواجه استنزاف المياه الجوفية الإستراتيجية غير المتجددة بشكل جائر. قضيتان تشكّلان خطورة وقلقًا. قضيتان تهددان حياة الأجيال القادمة ومستقبل الوطن. فالتحلية عالية التكاليف، وبعمر افتراضي، ولها سلبيات على سلامة البيئة البحرية. وهذا يدعونا للحذر من الاعتماد عليها. لماذا نضع أرواحنا في قبضة تقنيات لا نمتلك صناعتها، ولدينا البديل الطبيعي؟

- أطرح أفكاري العلمية بهدف إنقاذ المستقبل من العطش. وطرحت مشروعًا طبيعيًّا بديلًا للتحلية. مشروع يحقق تغذية المياه الجوفية وتنميتها بشكل طبيعي. تناولته في كتابَين، وتحدثت جميع كتبي عنه. وجاء كتابي الأخير: (بيشة – الموقع الإستراتيجي – لقياس مستقبل وضع المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية)؛ ليعزز مشروعي هذا، ويعزز أهميته الإستراتيجية. مشروع يحقق للأجيال القادمة الأمن المائي، والأمن الغذائي، والأمن البيئي.

- أكرّر، من باب التذكير بدعوة لها أبعاد إستراتيجية، جاءت في مقالي بتاريخ (8 فبرابر 2016) وثقها كتابي (الماء وطن)، في الصفحات (215 – 217): (أدعو إلى التخلص من محطات التحلية، وعدم بناء المزيد. خاصة إذا عرفنا أن استهلاك النخل الزائد في المملكة، يفوق استهلاك القطاعين السكني والصناعي. نحتاج ربط كامل أجزاء المملكة بشبكة من أنابيب نقل الماء من مناطق المياه الجوفية غير المتجددة، بالتزامن مع وقف الزراعات العشوائية، وعدم التوسع في زراعات غير ضرورية. فلنكتفِ بما نستهلكه دون تصدير؛ لأنه أشبه بالتنازل عن الماء الثمين لغيرنا).

- في ضوء تلك الدعوة، يظل سؤالي المتكرر قائمًا: من المسؤول عن مياهنا الجوفية؟ أكره القول في ظل المؤشرات: إن أجيالنا القادمة تخسر في ظل التراخي في أمر مياهنا الجوفية.

@DrAlghadmiMH