خولة بنت الأزور.. يُضرب بها المثل في الشجاعة والإقدام في الحرب وحسن التدبير، حتى قيل إنها من أشجع نساء عصرها وأمهرهنّ قتالًا، وشبَّهها الناس بخالد بن الوليد في القتال.
وعلى مدار عمرها، وهبت خولة حياتَها للجهاد بين صفوف المسلمين والزود عن دين الله، بما حواه صدرها من إيمان وشجاعة، فاستبسلت في المعارك التي حضرتها، لتكتب بذلك تاريخها الذي ارتبط بضروب البطولة والفتوحات، وفقًا لما جاء في كتاب فتوح الشام، لمحمد بن عمر بن الواقدي (ت ٢٠٧هـ).
نشأة مقاتلة
ساعدت بيئة خولة بنت الأزور الأسدي التي نشأت بها على تكوين شخصيتها القتالية وإشعال الحماسة في قلبها للمشاركة في الحروب، فهي ابنة قبيلة كندة اليمنية التي عُرف عنها مشاركتها بكثافة في الفتوحات الإسلامية.
وكَثُرَ ما شاركت فيه خولة من معارك في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكانت ضمن صفوف المقاتلين في غالب فتوحات الشام، وأبلَت فيها حسنًا حتى تفوقت على كثير من المقاتلين الرجال وقُرِنَت مهارتها بخالد بن الوليد، وهو على ما هو عليه من تفرّد في القتال وتدبيره.
خولة وخالد بن الوليد
ظهرتْ شجاعة خولة بنت الأزور حين وقف المسلمون أمام جحافل الروم عظيمة العدد والتسلُّح قبل معركة أجنادين في أرض فلسطين.
وفي تلك الجولة تقدَّمت خولة وهي تخفي شخصيتها تحت اللثام نحو صفوف الروم بجرأة، حتى اعتقد الناس ممن رأوها أن فارسًا بهذا الإقدام وتلك المهارة لم يكن إلا خالد بن الوليد نفسه.
وكان لخولة في تلك المعركة دور كبير في إشعال همم المقاتلين من المسلمين، خاصة بعدما كشفت هويتها بطلب من خالد بن الوليد، الذي أعجبه ما صنعته حتى قال لمن حوله لما رأوا قتالها: والله إنني أشد إنكارًا منكم له، ولقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله.
أسر خولة بنت الأزور
كثرت مشاركة خولة بنت الأزور في قتال المسلمين ومواقفها البطولية في اقتحام صفوف الروم، حتى استطاع جيش هرقل أسرَها مع عدد من المسلمات في إحدى المعارك.
وفي أسرها حرَّضت النساء على التخلص من أغلال الروم والخروج من سجنهم، بخطبة استحثت بها إباءهنّ وكرامتهنّ، حتى قالت إن الموت أهون عليكن من خدمة الروم، ففزعن إلى القتال.
ولمَّا لم يكن معهن سلاح يستخدمنه في مقاتلة الجنود المحتجزين لهن، اقتلعن أعمدة الخيام وأوتادها وحاربن بها.
واستطاعت المقاتلات -بقيادة خولة- الفكاك من الأسر، بعد أن بهت الروم من شجاعتهن وقدرتهن على القتال حتى مع انعدام الأسباب.
نهاية الرحلة
عادت خولة إلى معسكر المسلمين مع النساء آمنات، بعد أن فككن أنفسهن من الأسر، لتعاود القتال من جديد إعلاءً لراية التوحيد.
وظلت خولة تقاتل مع المسلمين وتستبسل في المعارك المشاركة بها، راسمة ملاحم بطولية بمداد من شجاعة متفرّدة، حتى أذن الله بختام قصتها مع استقرار دولة الإسلام فتُوفِّيت في أواخر عهد عثمان بن عفان، بعد أن أدَّت مهمتها بكل إخلاص وتفانٍ.