سعود القصيبي

@SaudAlgosaibi

التقويم الهجري نستعمله في مواقيتنا وأهلّتنا وفي الأحكام الشرعية، كعدة الطلاق وإخراج الزكاة، وفي تسيير معاشنا وقوتنا، إلا أن القلة يدرك أنه بدأ مع خليفة المسلمين عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»، وتعارف عليه الناس بعده وساروا عليه. فلم يكن للتاريخ الهجري قبله وجود إلا بعد حادثة حصلت في زمن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»، والتي أدت بدورها إلى سنة والأخذ فيه.

ولكي نضع وصفًا لتلك المرحلة من التاريخ، فقد جاءت في زمن الفتوحات الإسلامية، وتحديدًا بعد فتح مدينة القدس، ومن اتساع أراضي الخلافة الراشدة. ولم يكن العرب إلى زمنها تقويم بالسنوات، وكانوا يؤرخون بالأحداث كعام الفيل، وحرب الفجار، كذلك كانوا يعتمدون على السنوات الشمسية في ربط الأحداث، كما في التقويم السبئي، وفي التقويم الدارج في فارس.

وذكر الله «سبحانه وتعالى» بالقرآن الكريم استعمال المسلمين للتقويم الشمسي من سورة الحج آية 47 (وإنّ يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون). ويذكر الجبرتي في كتابه: (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) أن الصحابة ربطوا تاريخهم بهويتهم الدينية، لا سيّما بعد الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث أطلقوا على تلك السنة سنة الإذن بالرحيل، والسنة الثانية بعدها سنة الأمر بالقتال، والسنة العاشرة سنة الوداع.

وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن أتت الحاجة في زمن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين في أوجّ زمن الفتوحات الإسلامية. ففي سنة 17 من الهجرة وصل خطاب من أبي موسى الأشعري الصحابي المعروف، وقاضي البصرة يستفسر فيه عن حدوث لغط في الرسائل، حيث يذكر فيها شهر شعبان ويجهل بأي سنة كتب الخطاب، أهو في السنة الحالية أم في السنة السابقة.

على إثرها استشار عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» صحابة رسول الله، فمنهم مَن قال بالأخذ بتاريخ مولد الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وآخرون قالوا بالأخذ بتاريخ وفاته. إلا أنهم أجمعوا في النهاية بأن الهجرة النبوية كانت من أهم الأحداث.

ورُوي أن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» ذكر حينها أن الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل. وجاء بالسِّيَر أنه لما اتفقوا، قال بعضهم: ابدأوا برمضان، فقال عمر: بل المحرم، فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه. كما ذُكر بالسِّيَر أن ممن استشير عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب «رضي الله عنهما» اللذين أقرَّاه. كما اتُّفِق على ربط السنة الأولى من التقويم الهجري بالهجرة النبوية بتاريخ 12 ربيع الأول، واعتمدوا بداية السنة الهجرية من الأول من محرم؛ لكونه يأتي بعد انتهاء موسم الحج.

ويختلف التقويم الهجري عن الميلادي في حساب الأشهر، ويُقاس التاريخ الهجري بدورة القمر حول الأرض، بينما الميلادي الذي يعتمد على دوران الأرض حول الشمس. ويوجد تباين بين الدورتَين بنحو 11 يومًا كل عام تنقص فيها السنة القمرية عن تلك الشمسية؛ الأمر الذي يجعل الشعائر والمناسبات الإسلامية تحدث في فصول وأوقات مختلفة بالسنة الشمسية عند توالي السنوات.

ولأسماء الشهور واعتمادها لابد علينا أيضًا أن نرجع للوراء قليلًا، وقبل الإسلام، فقد كانت عادة العرب تسمية الأشهر حسب الأحداث التي جاءت فيها أو من ظواهر تميّزها. وعلى سبيل المثال كان شهر رمضان يسمى «ناتق»؛ لأنه كان يزعجهم بشدته عليهم، وشوال كان يسمى «وَعِل» (وَعَلَ معناها لجأ)، حيث كانوا يهربون من الغارات والقتال قبل الأشهر الحرم. وذو الحجة كان يسمى «ميمون» و«بُرَك»؛ لما فيه من البركة في الحج، وجمادى الأولى كان يسمى «حنين»؛ بسبب حنين العرب المسافرين فيه لبلدانهم بعد الربيع.

وفي عهد كلاب بن مرة (الجد الخامس للرسول «صلى الله عليه وسلم») اتفق رؤساء القبائل العربية على تسميات جديدة للأشهر الهجرية، ومن الأشهر الحرم (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب) التي استقوها من عهد النبي إبراهيم «عليه السلام»، وثبتت حتى في عهد الإسلام، وحُرّم فيها القتال.

وفي الختام.. نتمنى لكم كل خير وكل أجر في هذا الشهر الفضيل شهر الصوم والعبادات، وكل عام وأنتم بخير.