عبدالله الغنام

يوافق (23) أبريل من كل سنة «اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف». والمؤلف في العالم العربي بالكاد يحقق تكلفة الطباعة فضلًا عن جني أي أرباح من مهنة التأليف والكتابة، ويزداد الأمر سوءًا حين نرى الكثير من النُّسخ الرقمية (إلكترونية) للكتب غير مرخصة على الإنترنت. وهي ظاهرة متفشية وتحتاج إلى تنفيذ أكثر حزمًا، وإجراءات أسرع لحماية حقوق المؤلف (لقمة العيش)، والمسألة ليس المراد منها تثبيط الناس عن القراءة بقدر ما هو ضبطها، فأكثر المتضررين هم المؤلفون والكتّاب حيث إن الكثير منهم بالكاد يربح من مهنته شيئًا.

والواقع أن القلة فقط من بعض المشاهير هم الذين استفادوا من التأليف والنشر ماديًّا، أما الغالبية العظمى فهم خاسرون! والذي يجعلهم يواصلون التأليف ليس المردود المادي، بل عدة أسباب منها، حب الثقافة، ونشر العلم، وتحقيق الذات، وأن يكون له دور إيجابي في المجتمع، وتغيير الأفكار، ونشر المعرفة وغيرها.

إن الكتابة بالنسبة لمعظم المؤلفين غير الماديين هي مسألة شخصية يشعر بأن الكتاب جزءٌ أو بعض منه، بل البعض يعتبر مؤلفاته كالأبناء بالنسبة له، وتمثّل الشيء الكثير له عاطفيًّا ومعنويًّا، ومؤخرًا برزت مشكلة جديدة ستؤثر كثيرًا أيضًا على المؤلفين، وسوف تزداد بشدة مستقبلًا ألا وهي الكتابة بالتعاون مع الذكاء الصناعي؟ وبالأصح سيكون هو (الذكاء الصناعي) بالكتابة عنك! فدورك سيكون بطرح الأسئلة، وتجميع الإجابات، وتقسيم الأبواب والفصول، وحتى المقدمة والخاتمة ربما يصوغها لك الذكاء الصناعي!! وستكون مهمتك الرئيسية تعديل الأسلوب والمراجعة فقط، وقد يكون أسلوبه أفضل منك فلا يحتاج إلى تعديل! وإذا اعتمد الكثير عليه، فسوف تصبح الأساليب متشابهة جدًّا؟ وهنا يبرز العمل الإبداعي البحت.

وأرجو ألا يتفوق الذكاء الصناعي مستقبلًا على اللمسة الإبداعية والبلاغية، فسرّ صناعة الكتابة البشرية الأسلوب وعذوبة اللفظ واللغة واختيار الكلمة الأنسب.

وستبرز كذلك مشكلة في عملية تحديد السرقات، حيث سيدّعي البعض أنه بالتعاون مع الذكاء الصناعي أصبحت الكتابات متشابهة ومتقاربة! وأما من ناحية القانونية فلا شك في أن هناك أنظمة وقوانين لحماية المؤلف محليًّا وعالميًّا، منها على سبيل المثال (نظام حماية حقوق المؤلف) الصادر عام (١٤٢٤ هجري).

وعالميًّا هناك اتفاقات دولية مثل: (الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف) الصادرة عام (1994م) وغيرها من القوانين والأنظمة التي تحمي مؤلف الكتاب محليًّا وعالميًّا.

وأما من جانب التطبيق، فهذا يحتاج كما أسلفنا، إلى تفعيل أسرع للآليات ليكون الأثر أبلغ وأقوى، ويقلل نسبة السرقات الفكرية والأدبية والثقافية وغيرها، والدوافع لاقتحام بوابة التأليف عديدة، منها الشخصية أو المهنية أو المادية التجارية.

وأما الأسباب فمنها كما قال ابن حزم: إما شيئًا لم يسبق إليه يخترعه، ناقصًا يتمّه، مستغلقًا يشرحه، طويلًا يختصره، متفرقًا يجمعه، مختلطًا يرتبه، خطأ وقع فيه مؤلفه فيصلحه، ومن اللطائف في باب (طويل فيختصره) وربما يهذبه، أن بعض الكتب قد تعجبك وتحوي إليك بتأليف كتاب مختصر يوافق منهجك الفكري أو الاعتقادي.

فقد ذكر أن الشيخ العلَّامة عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- حين كان يُعالج في لبنان، قرأ كتاب ديل كارنيجي «دع القلق وابدأ الحياة»، فقال الشيخ عن المؤلف: إنه منصف. ثم طلب من أحد أصدقائه أن يحضر له من السوق ورقًا وقلمًا، (وكان الأطباء قد طلبوا منه الراحة وعدم القراءة والكتابة بسبب ظروفه الصحية)، ولكنه ألّف كتابه الجميل الخفيف «الوسائل المفيدة للحياة للسعيدة»، وكان المقصد من تأليف الكتاب أن يكون من منطلق وأدلة شرعية، وبأسلوب سهل مبسّط للقارئ، بعيدا عن التعقيدات والتطويل.

إن تشجيع المؤلف وحفظ حقوقه حافز لعقله، ومكسب لجيبه!

abdullaghannam@