محمد الحرز

@MohammedAlHerz3

على الرغم من عدم وجود أكاديميات أو معاهد متخصصة بالمملكة في إعطاء دروس في كتابة السيناريو، يتخرج من خلالها أناس مختصون ومحترفون في هذا النوع من الكتابة الإبداعية، مثلما هو الحال في الدول التي قطعت مشوارًا كبيرًا في صناعة السينما، وقدَّمت تاريخًا مؤثرًا في تطور هذه الصناعة، وما يتفرع منها من ممثلين ومخرجين ومنتجين وكُتّاب وموسيقيين ومصورين كسينما هوليود، والسينما الهندية واليابانية والأوروبية والروسية.. إلخ، رغم كل هذا التاريخ وامتداده المؤثر على مستوى العالم، ومن ضمنه العالم العربي، فإن مجتمع المملكة الذي لم يتعرّف على هذا النوع من الكتابة إلا مؤخرًا، ومع تحوُّلات رؤية المملكة ٢٠٣٠.

رغم كل ذلك، فإن الوقوف عن قرب على هذا النوع من الكتابة الذي يشكّل تجربة جديدة عند جيل بأكمله يمثل اكتشافًا حقيقيًّا للعلاقة القائمة بين هذا النوع من الكتابة والجيل الحالي بالمملكة.

ورغم اطّلاعي أيضًا على ما ينتجه بعض الأصدقاء من أفلام قصيرة كانوا في أغلب الأحيان يطرحون أفكارهم ثم يحوّلونها إلى سيناريو بعد التداول والمناقشة فيما بينهم، ثم سرعان ما ينفذونه عبر الكاميرا.

كنتُ أجد نفسي منبهرًا بهذه التجربة الشبابية، وبهذا الاندفاع والحماس فائق السرعة عندهم. لكن مثل هذه الصنعة تحتاج إلى الترويّ والتراكم والخبرة حتى تكتمل عناصر الإبداع في مثل هذا النوع من الكتابة.

لكن سرعان ما ستتطور مثل هذه التجارب من بداية ظهورها مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، بل وستذهب بأفكارها وأفلامها وبكتابة السيناريو إلى مدى بعيد وعميق، إلى مناطق في ثقافة المجتمع السعودي وتاريخه وعاداته وتقاليده لم تكن ترتادها الكتابة الإبداعية كالرواية أو الشعر أو حتى المسلسلات التليفزيونية، ناهيك عن السينما حديثة العهد في ثقافتنا السعودية.

مثل هذا الانطباع راودني وأنا أشارك مع اثنين من زملائي في لجنة تحكيم السيناريو في مهرجان أفلام السعودية في دورته الثامنة في 31 مايو 2022 المخرج عبدالمحسن الضبع، والمخرجة ضياء يوسف.

فقد جاءت المشاركات التي تجاوزت التسعين عملًا بين سيناريو قصير وآخر طويل، وأعمال مقتبسة من روايات سعودية، لتؤكد لنا على الأقل ـ نحن المحكمين ـ أن الإقبال على كتابة السيناريو أصبح ظاهرة منتشرة بقوة التحوُّلات الثقافية التي تعيشها المملكة، وبدوافع ذاتية عند الكثير من الشباب في مواكبة هذه التحوُّلات بما يحقق رغباتهم في إثبات الوجود، وبما ينسجم مع عوالم السينما المبهرة، بالخصوص إذا كانت هذه العوالم أرضًا بكرًا في ذاكرتنا الثقافية.

لكن في نفس الوقت، على قدر فرحتنا بهذا الإقبال، إلا أن شعورنا بالتخوف كان محل تساؤل ومناقشة، وقد كان سبب هذا الشعور هو السؤال الإشكالي التالي:

كيف يمكن الاطمئنان إلى كتابة سيناريو انطلاقًا من الاعتماد على دورة تدريبية من هنا أو قراءة كتب تعليمية من هناك فقط، أو قراءة روايات أيضًا؟

لقد أطلّ هذا السؤال برأسه على وعينا التحكيمي حينما بدأنا في قراءة السيناريوهات المتقدمة للمسابقة، وقد كانت الأصوات النسائية الشابة هي الطاغية على المشاركة، وإن كانت النسبة ليست كبيرة مقارنة بالأصوات الشبابية.

لكن سرعان ما تلاشى هذا السؤال من أفق وعينا التحكيمي، بعدما تشكّل انطباع عام حول الأعمال المشاركة بأنها تطرح أفكارًا جريئة، وتحاول أن تعالجها بطريقة احترافية قابلة للأفلمة والإنتاج، قد تكون بعض هذه الأعمال تفتقر إلى مقوّمات النجاح أو تفتقد إلى بعض التقنيات، إلا أن المؤكد بشكل عام هو قدرة الصوت الشبابي عند كلا الجنسين في وعيه العميق على تبنّي قناعة مهمة تقول: إن السيناريو يستطيع أن يصنع شخصيات وحوارات من واقع الثقافة السعودية، ومن واقع تاريخها المعاصر، وبالتالي كان الرهان هو أن يصنع ثقافة جديدة تعبّر عن روح الشباب المعاصر، وعن رؤيتهم لمجتمعهم.