يوسف الحربي يكتب:

يتميَّز الخوض في تجربة المسرح الشعري بالكثير من الحرفية والاطلاع الشغوف على صنوف الفنون التي تحاول أن تندمج معًا في تركيبة حرّة وجمالية، ولها ذوقها الاندفاعي الباحث عن الإبداع في النص والكتابة والسيناريو والأداء، فهي تجربة لا تقف عند الأداء والكلمة، بل تتجاوزها نحو الإتقان في التواصل بالحواس والأفكار والمعاني، فهي تجربة مبنية على توظيف الشعر في النص المسرحي داخل الحوار، بما يثير شبكة متينة من الإبداعات التي ترتكز على الاتفاق المعنوي والتجاوب الحسي، والتوصّل أكثر لذوق المتلقي، وهي تجربة تستحق أن تُدعم لتُطوّر في النشاط والعرض لهذا النمط الفني المسرحي الإبداعي، خاصة أن المسرح الشعري يُعتبر أحد أهم الفنون العريقة التي تجمع في تجلّ حركي بين الشعر والتمثيل، حيث تستخدم في العروض المسرحية، الأشعار كوسيلة للتعبير وإيصال الرسالة وهي تجارب ميّزت الحضارات القديمة، وتميّزت في الحركة المسرحية المعاصرة.

خاصة أن المسرح الشعري يجمع بين الإيقاع واللحن والكلمات المقفّاة بسجع موقّع وترنّم مثير، وبالتالي له قدرة على توظيف الذوق والإدراك مع الفهم والقراءة، وهذه التجربة تعتمد بشكل كبير على الأداء الجيد والتمثيل القوي والانسجام العام بين الحوار والتوظيف الشعري.

ويعتبر المسرح الشعري مصدرًا للإلهام والإثارة والارتجال والتكامل، لأن استخدم الشعر لإيصال الأفكار والمشاعر يساهم في تحفيز الجمهور على التفكير والتحليل والبحث والمعرفة وإلقاء الضوء على تجربة شعرية ما، وأسباب توظيفها خدمة للنص المسرحي.

كما يتميز المسرح الشعري باستخدام اللغة الشعرية التي تعبر عن الأفكار بطريقة بليغة ولها مخيالها التوصيفي وتفاعلها الحسي، وهو ما يُعدّ وسيلة فعّالة للتعبير عن الثقافة والتراث الشعري، خاصة مع المخزون الشعري العربي عبر اختلاف المراحل التاريخية قبل وبعد الحضارة الإسلامية.

يتميّز المسرح الشعري أيضًا بتنوّعه وتعدد أساليبه؛ إذ يمكن تقسيمه إلى عدّة أنواع، مثل المسرح الشعري الكلاسيكي والمسرح الشعري المعاصر والمسرح الشعري التجريبي، والمسرح الشعري الشعبي، ويمكن أيضًا تقسيمه حسب الموضوعات المعالجة فيه بين الحركة الغربية التعبيرية والسريالية.

ويتطلب المسرح الشعري موهبة الشعر والتمثيل، وبالتالي حاجة الممثل الأساسية لموهبة الإلقاء والاندماج مع الفكرة من توظيف الشعر فكريًّا وحسيًّا، وهو ما يتطلب بالضرورة الشغف والإصرار على تحقيق النجاح في هذا المجال؛ لأن كل تلك المفاتيح إذا توفّرت تكون قادرة على إقناع المتلقي وشدّه أكثر وأعمق نحو المسرحية.

كل ذلك حتى يحظى المسرح الشعري بنفس شعبية الأنماط المسرحية الأخرى، ويكون قادرًا على أن يجذب عددًا كبيرًا من المحبين للشعر والفنون والثقافة، فالمسرح الشعري فن له روعته وعمقه، والعمل على نشره وتنشيطه إنما هو عمل على تنشيط المواهب والقدرة على الجمع بين الفنون المحترفة في احتواء الجمال، وتقديم رسالة لها معناها القوي والمؤثّر، وبالتالي يستحق هذا الفن المتكامل الدعم والعمل على تعزيزه وتطويره في المستقبل.

yousifalharbi@