أ. د. هاني القحطاني

hanih@iau.edu.sa

لغة، تعني كلمة ثرى كثرة العدد في أي شيء. وهي تعني أيضا الندى، أو ظاهر الأرض بعد تشبعه بالمطر، وسميت الثريا بهذا الاسم لكثرة أعداد نجومها في مساحة صغيرة. أما إثراء فهي صيغة مبالغة على وزن إفعال، وهي تعني المبادرة في الفعل كقولك إقدام للشجاعة، وإبداع في كل صنع حسن، وإنجاز في سرعة القيام بالعمل وهكذا. هذا التأصيل اللغوي لمركز إثراء بالظهران يعرف بالمركز وبمحتواه وغاياته وهو ما أصبح معروفا بالضرورة.

عقد مجتمع العمارة في مركز إثراء في منتصف الشهر الكريم ورش عمل لمعماريين حديثي التخرج. كانت ورش العمل هذه عبارة عن طرح مفاهيم وأفكار في العمارة على مجموعة من المعماريين في بداية مسيرتهم المهنية، ومن ثم تعريفها وإعادة صياغتها ضمن منهجيات ومن ثم تقديمها بأسلوب مبسط واضح.

ما تم عرضه في ورش العمل هذه كان مفاجئا من حيث العمق المعرفي الذي ميز تلك الطروحات والأفكار، وطرق عرضها، من المشاركين أنفسهم، وكمية التحصيل المعرفي الذي حصلوا عليه في سن مبكرة من مسيرة مهنية واعدة.

مفاهيم الطراز (STYLE)، والحركة (MOVEMENT)، والمدرسة (SCHOOL) ثلاثة مفاهيم لا يكاد يخلو منها أي كتاب في تاريخ العمارة الحديثة، وهي تحتاج لسنوات طويلة من التحصيل المعرفي لكي يتم فهمها واستيعابها ومن ثم عرضها بطريقة واضحة. ومع ذلك فقد قطع المشاركون شوطا كبيرا في فهمها وعرضها. ومما يبعث على الإعجاب أن هذه المفاهيم بالرغم من منشئها الغربي إلا أنه قد تم تناولها في سياق محلي وإقليمي لكي تتم الاستفادة منها في الواقع المعاصر للعمارة المحلية والإقليمية المعاصرة لدينا. بهكذا أطروحات وبمثل هذا الحراك المعرفي والثقافي تنمو العمارة وتزدهر.

هذا طرح فريد من نوعه في محتواه وآليات تنفيذه. مشاركو الورشة في هذه الأمسيات كانوا بالأمس القريب طلبة جامعيين. غير أن أداءهم في الورشة بدا مختلفا تماما عن أدائهم في الجامعة. وهذا بحد ذاته يطرح تساؤلا هاما عن دور المؤسسة وبرامجها التعليمية في الارتقاء بالفكر النوعي لدى طلبتها. ففي حين أن الجامعة مطالبة بتخريج كوادر مهنية مدربة في مجالات محددة وبأعداد كبيرة كل سنة، وفق مناهج وخطط دراسية تستغرق سنوات طويلة لاعتمادها، لكي ترفد أجهزة الدولة وسوق العمل بكوادر هامة لإدارتها فإن المتحف (أو المركز الثقافي كما هو حال إثراء) معفى من هذا العبء. إنه مهتم بنشر رسالة الفن والثقافة عبر برامج نوعية وعدد أقل من المشاركين وحسب برنامج زمني مرن. المركز الثقافي نشاط ترويحي بينما الجامعة واجب يومي. وإذا اختلفت المدخلات اختلفت النتائج ضرورة.

غير أنه بالإمكان لكلتا المؤسستين الاستفادة من الآخر. فبإمكان طلبة الجامعة الاستفادة من مرافق المركز وهي كثيرة، ومن طريقة تصميمه باعتباره أيقونة معمارية وطنية وإقليمية، وبإمكان المركز إشراك عدد ليس كبيرا على أية حال من طلبة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس بصفة دورية للاستفادة من مرافق المركز ومنهجيته البعيدة تماما عن البيروقراطية التي كثيرا ما كبلت آليات عمل الجهاز الحكومي وتأتي الجامعات في مقدمتها.

تذكر هذه المبادرة النوعية لإثراء بعمليات تعليم الفنون في جامعاته وكلياته في الدول الغربية. فالمتحف قرين لكليات الفنون. وكثيرا ما ترى طلبة كليات الفنون يرتادون المتاحف في مجموعات برفقة أساتذتهم. هنا يطرح إثراء نفسه كمؤسسة تعليمية أكاديمية رديفة للجامعة. وبالرغم من كون المؤسستين الجامعة وإثراء مؤسستين تربويتين أكاديميتين إلا أنهما كما تمت الإشارة لذلك أعلاه بفعل مرجعيتهما الإدارية والوظيفة المنوطة بكل منهما مختلفتان.

العمارة ظاهرة معقدة، وهي في أحد تعريفاتها القدرة على التوفيق بين مجموعة من المتناقضات. وهي أيضا معرفة وبالتالي فإن في تبسيطها إثراء لها، بل هو الإثراء بعينه.

* أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل