د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

* حوّلنا نمط حياتنا من الاعتماد على البيئة الطبيعية إلى الاعتماد على البيئة الصناعية. وليتنا اكتفينا بهذا. مع هذا التحوُّل وبسببه جعلنا البيئات الطبيعية ضحيّة، بتبعات سلبية متشعبة ومعقّدة. فهل تدفع البشرية بقاءها ثمنًا لهذا التحوّل؟ لماذا جعلناه مخلًّا ومدمّرًا للبيئة الطبيعية؟ كيف جاء الخلل؟ لماذا كان هذا الخلل؟ ما الذي خسرته البشرية من هذا التحوُّل؟ وحتى لا نتوه بعيدًا مع عالم الأسئلة المشروعة، أود التركيز على الأهم بالنسبة لفكري. إنه المطر أيها السادة. ما مصيره مع هذا التحوُّل؟ أقول بهذا لأن المطر مصدر الماء العذب على الكرة الأرضية. إنه الأعذبة الطبيعية لمياه البحار المالحة. إنه المطر، حافظ على بقاء البشرية. وقد جاء الله بالإنسان بعد العصور المطيرة التي هيَّأها «سبحانه» لجعل الحياة مناسبة لوجوده على الأرض، ومكّنته من البقاء. فهل سيظل المطر يؤدي دوره ووظيفته الطبيعية والمثالية مع هذا التعيير؟ سؤال جوهري قد لا يدرك البعض أبعاد طرحه.

* الأهم.. هل يتأثر نزول المطر وانحباسه بانتشار البيئة الصناعية وتوسّعاتها على حساب البيئة الطبيعية ومكوّناتها؟ وحتى في حال نزوله، هل ظل هو ذلك الماء العذب المثالي للحياة؟ هناك أجوبة علمية تؤكد ظهور نتائج سلبية وإخلال بالتوازن البيئي الطبيعي مع كل نشاط إنساني صناعي، مهما كان ضئيلًا. عندما يحشر الإنسان أنفه في أي شيء فهو يعمل على تغيير الكثير من شروط التوازن الطبيعية الصحيحة المطلوبة لهذا الشيء. وعليه.. يأتي السؤال الكبير: ما تأثير هذا التحوُّل على المطر وجودته، وعلى تنقّلاته الطبيعية وأيضًا مصيره؟

* البيئة الطبيعية تجدّد نفسها على الدوام. بعكس البيئة الصناعية. البيئة الطبيعية لا تصبح خرابة. البيئة الصناعية تصبح خرابة في غياب الصيانة. قراءتي لسبب وهدف تجديد البيئة الطبيعية لنفسها يعود في أصله إلى عامل (الإغراء). أراه يحقق استدراج السحاب المحمّل ببخار الماء. الغاية استدرار المطر كـ(ابن) شرعي لهذه العلاقة السرمدية. البيئة تهيئ نفسها دومًا من أجل حصاد المطر بشكل طبيعي. أشبه بعلاقة زواج هدفه في النهاية المحافظة على بقاء النسل.

* إذا تدخّل الإنسان بأي شكل في طقوس هذا التزاوج فإنه يعمل لإفساده. لنقل يعكر صفو المزاج. هذا إخلال بتوازن هذا المزاج. عملية تشتيت وتخريب. مع هذا الدور الطبيعي يجب أن تحقق العلاقة بين الإنسان والبيئة هدف استدرار المطر. على الإنسان تعزيز علاقة هذا التزاوج الذي تتطلبه الطبيعة بقدرة الله، وذلك بنقع (زير) الفرح والمساندة، والدفاع عن مشروعيته. نحن نعرف نتائج هذا التزاوج. ثماره لصالح الإنسان، وعليه كنتيجة المشاركة بزيادة مساحة التوسع في علاقة هذا الحب بين البيئة والسحاب. هذا هو الوضع السوي والمثالي.

* عبر تاريخ منطقتنا المطيرة في الجنوب الغربي من بلادنا «حفظها الله»، كان تدخّل الإنسان عبر التاريخ لصالح البيئة؛ الأمر الذي مكَّنه وأجياله من البقاء. عشتُ هذه العلاقة في جزءٍ من مراحل طفولتي وشبابي. وبفضل العلم أدركت أن أجدادنا كانوا حرَّاسًا للبيئة، حماية ورعاية وتنمية. يأخذون ويعطون. يمتنعون عن إحداث الضرر بالبيئة. كانوا يرونه ضررًا على أنفسهم وأجيالهم. كنتيجة أوجدوا القوانين والأنظمة الحازمة والصارمة لصالح البيئة ضد أنفسهم. وذلك للحد من ضررهم على البيئة. كان شعارهم من خلال ممارساتهم ومهاراتهم يقول: البيئة أولًا. مع هذا الشعار تحقق بقاؤهم حتى في أحلك الظروف البيئية قسوة.

* الحضارة الغربية الصناعية تبحث عن المال كغاية. فهل ستقود العالم إلى كارثة إنهاء المطر الصالح لبقاء الحياة؟ سؤال مرعب في ظل حضارة عززت روح الأنانية لدى الإنسان. تحت شعار: (أنا وبعدي الطوفان). هكذا تقول النتائج والمؤشرات. ويستمر الحديث بعنوان آخر.