د. محمد حامد الغامدي

- غيّبت الحضارة الصناعية الغربية التوازن البيئي الطبيعي. تطفلت على البيئة بقسوة. تحوّل الإنسان لكائن طفيلي جائر مضر بالبيئة. لماذا؟ في الطبيعة يوجد نوعان من التطفل. الأول يعيش على النبات، ولا يتسبب في هلاكه حفاظًا على حياته كمتطفل. الغذاء يصبح بينهما شراكة في وفرته وندرته. النوع الثاني قاتل لنفسه وللنبات الذي يعيش عليه. يمتص كامل الغذاء ويتسبب في هلاكه. كنتيجة يموت النبات المتطفل هو الآخر. وهنا يتجلى الضرر ونتائجه على الجميع في ظل العلاقة غير السوية.

- يجور الإنسان ويستنزف بشكل مُفسد. هذا ما يجعل البيئة الصناعية وإنسانها أقرب إلى النوع الثاني من التطفل القاتل. أخلت أعماله، وأطماعه، وفحش تصرّفاته الأنانية بالتوازنات الضرورية لاستدامة منافع البيئة في الحياة. وهكذا بسبب طيش الاندفاع في التصرفات وصلنا مرحلة التغيير المناخي وتحدياته على الوجود البشري برمته. (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين) (البقرة 60).

- ما أود التركيز عليه، أن المطر الطبيعي سيظل محور (التجديد) في البيئة الطبيعية. بعكس البيئة الصناعية، البيئة الطبيعية تجدد نفسها بنفسها. تتجمّل وتتحلى بغطائها النباتي. فتعمل لإغراء السحاب بالتزاوج معها. تستعرض أمامه مفاتنها من الغطاء النباتي وتنوّعه. كنتيجة يتقبّل السحاب العرض المغري. يتفاعل هو الآخر. يلقي بنفسه على البيئة في شكل قطرات ماء. وقد كان بخارًا يطوف السماء بحثًا عن عروس (مناسبة) على سطح الأرض. وهذا ما تمارسه الكائنات الحية الأخرى من تصرّفات مُغرية ومحفزة أثناء فترات التزاوج. عملية حققت منفعة البقاء عبر العصور.

- مع الحضارة الغربية المعاصرة أصبحت حياتنا لا تعتمد على البيئة ومطرها ومنافعها الطبيعية. حياتنا تعتمد على صناعات تقوم على استغلال البيئة بشكلٍ قاسٍ، جائر ومضر. هذا أخل بالكثير من توازناتها الضرورية. أرى أننا كبشر وصلنا مرحلة التمرد على البيئة الطبيعية. قفزنا مراحل من التحدي لتهديدها بالاستغناء النهائي عن عطائها الطبيعي.

- هل وصلنا مرحلة من الغرور ووقاحة التمادي، حد صناعة ما نحتاج دون الاعتماد على البيئة الطبيعية. على سبيل المثال صناعة اللحوم، وأعذبة مياه البحر المالحة. كأننا نقول نحن قادرون على توفير كل شيء صناعيا. وعليك القياس في كل مجال.

- نحن في المناطق الجافة وشبه الجافة من العالم فرحنا بهذه القفزات الصناعية. رأيناها حبل نجاة من قسوة جغرافية مناطقنا. لم نفكر في الثمن الباهظ الذي ستدفعه أجيالنا مستقبلًا. تهميش البيئة الطبيعية هو تهميش أيضًا لمكوّناتها. وأجد الإنسان أحد هذه المكونات الأهم. هو جزء من الحياة الفطرية، له واجبات فطرية وعليه مسؤوليات فطرية تجاه البيئة ومكوّناتها. إن تفاقم الوسائل والأدوات الصناعية سيحقق الانفصال الكامل عن البيئة. هذا يعني أن توفير احتياجاتنا صناعيًّا سيقود إلى تهلكة محققة وإن طال الزمن. منافعنا تعتمد على سلامة شركائنا في الحياة. وأيضًا على محافظتنا على حقهم بجانب حقنا في الحياة.

- وعندما أُمعن التفكير أجد أن مناطقنا الجافة من العالم بحاجة إلى حضارة مختلفة عن حضارة الغرب الصناعية التي قامت في وسط بيئة غنية بالمياه الطبيعية. لكن فكرهم الصناعي قادهم إلى التطفل وبشكل نهم على إفساد بيئتهم الطبيعية المثالية. الفكر الغربي الصناعي تقوده المادة، والطمع، والجشع. كنتيجة تحول إلى أداة قتل لبيئتهم ولغيرها من البيئات الأخرى البعيدة. تسببوا في تحويل الأمطار العذبة إلى أمطار حمضية قاتلة. عظّموا الملوثات الصناعية بكل أشكالها وأصنافها الغازية والسائلة والصلبة. طوَّروا جبروت الأسلحة الذرية والنووية المدمرة. أوصلونا مرحلة كارثة التغيّر المناخي.

- اعتمادًا على المؤشرات، أستطيع القول - دون تحفظ - إن الحضارة الصناعية الغربية ستكون آخر حضارات الإنسان على وجه الأرض. ويستمر المقال بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH