عبدالله العزمان

@azmani21

هل حصل لك يومًا ما، وأنت تستعد للذهاب إلى المطار، أن وجدت نفسك تبحث عن جواز سفرك في مكان ما، وتجد نفسك بعد عناء طويل مع البحث، أنك وجدته في مكان آخر، ذلك ما يسمى بوهم الانتباه، هناك عدد من الأوهام أو الخدع التي يتعرض لها الدماغ بشكل يومي، وبعض هذه الخِدَع تكون خطيرة؛ لأنها تدفعك لاتخاذ قرارات خاطئة وأنت تعتقد بصحتها، في كتابهم الغوريلا الخفية، استعرض لنا كريستوفر تشابريس، ودانييل سايمونز، بعضًا من الأوهام اليومية التي نعيشها، نستعرضها وإياكم في هذه السطور، يرى المؤلفان أن هناك ستة أوهام يقع فيها الإنسان دون أن يُدرك ذلك، وهي وهْم الانتباه، ووهْم الذاكرة، ووهْم الثقة، ووهْم المعرفة، ووهْم السبب، ووهْم القدرة.

فوهم الانتباه، يتلخص في أننا نتوهّم بأننا مدركون لكل ما يدور حولنا بكل تفاصيله، ولكننا في الحقيقة لسنا كذلك، فالملاحظ من خلال المشاهدة والممارسة اليومية، بالإضافة إلى ما أثبتته الدراسات البحثية، كما في تجربة الغوريلا، أن الإنسان لا يستطيع أن يركّز على أكثر من شيء في وقتٍ واحد؛ لأنه يصعب على ذاكرته تخزين كل ما ينظر إليه؛ لذا تجده يتغافل شاء أم أبى الكثير من المشاهدات التي يمر بها أو تجري حوله، فعلى سبيل المثال، لو طلب من شخص أن يتذكّر كل ما مر به من مشاهدات خلال الطريق الموصل من بيته إلى عمله، سيفشل حتمًا في ذلك، أما ما يختص بوهْم الذاكرة، فإن ما يتذكّره الإنسان يختلف عما حدث بالفعل، فما يتم تخزينه في الذاكرة ليس مطابقًا للواقع تمامًا، وإنما هو إعادة تشكيل للحدث مضافًا إليه بعض توقعاته وخبرته ومشاعره تجاه الحدث، فتتكوّن لديه صورة غير حقيقية ومختلفة عن الواقع؛ لذا تجد أن المحققين يهتمون بتسجيل إفادة الشهود، ويستمعون إلى أكثر من شاهد لتشكيل نظرة متكاملة عما حصل من حدث، كما يحصل في جرائم القتل مثلًا، وفيما يتعلق بوهْم الثقة، وهذا الوهْم له علاقة طردية مع الجهل؛ لذا يقول تشارلز داروين، الجهل ينتج عنه ثقة شبه دائمة، أكثر مما تفعله المعرفة، فكلما ازداد الإنسان جهلًا، ازدادت ثقته بنفسه؛ مما يمنعه عن اتخاذ خطوات لتطوير ذاته؛ لذا تجد أن الناس وللأسف يثقون بمَن يبدو عليهم تمام الثقة بالنفس، عندما يقدم لهم معلومة أو فائدة، على الرغم من تواضع خبراته ومعلوماته، وهو في الحقيقة عبارة عن جرءة أكثر منها خبرة ودراية، ولتجنب ذلك ابحث عن المعلومة من مصادرها واجتهد في تحري الدقة فيما تنقله، أما وهْم المعرفة، وهو وهْم يقع فيها أغلب الناس على اختلاف مكانتهم العلمية والعلمية، فقد يقع فيه العلماء والخبراء، كما يقع فيه عامة الناس، وهو أنهم يعتقدون أنهم يعرفون أكثر مما يعلمونه، فمثلًا عندما يطلب منك أداء عمل معيّن لا تملك أي خبرة سابقة فيه، ستجد أنك تعتبره أمرًا هيّنًا وسهلًا، وعندما تخوض غماره، تجده أصعب بكثير مما توقعته.

وللتخلص من هذا الوهم أن تكون كما كان الإمام الشافعي «رحمه الله»، حيث قال: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب،) فعندما تعتقد أن رأيك يحتمل الصواب والخطأ، ستجد أنك تتخلص كثيرًا من هذا الوهم؛ لأن ذلك يجعل منك إنسانًا واعيًا ومدركًا، ووهْم السبب، عندما يواجه الدماغ حقيقتين أو أكثر، يحاول جاهدًا أن يجد العلاقة بينهم، ومن ثم يحاول استخراج أسباب لربط هذه العلاقة، وقد تكون حدثت هذه العلاقة بمحض الصدفة، وليس لها ارتباط حقيقي، ولا يوجد سبب مباشر لترابطها، كمَن يتعرض لوعكة صحية في مكان ما، فيربط هذه الوعكة بهذا المكان، أو كما يحصل من بعض الجهال في تقديس بعض الأشخاص، بمجرد حصول أمر غير معتاد على يديه.

وختامًا، وهْم القدرة، لدى الإنسان مقدرة كبيرة على تعلّم المهارات المختلفة، ولكن هناك وهْمًا بأن مقدرة الدماغ عالية جدًّا، وأن طرق الوصول لتعلّم هذه المهارة سهلة وبسيطة جدًّا، وأنك من خلال التفكير والتأمل ستستطيع أن تتعلم المهارة بشكل سريع وفاعل، وعندما تبدأ بالتعلم الفعلي تجد أن الأمر خلاف ذلك، وأنه يحتاج إلى عمل مستمر ووقت وجهد.