بعد انتهاء مناوبتي الهادئة قبل أسبوع تلقيت اتصالا من المشفى الذي أعمل به يدعوني فيه إلى العودة حالا
وذلك بعد استقبال تعميم سري وعاجل باستدعاء جميع الكادر الطبي خلال ساعة.
عدت أدراجي وأنا في حالة ذهول ما الذي حدث؟ هل هي مزحة؟
توجهت مباشرة إلى غرفة الاجتماعات لم يكن هناك ما يدل على أنها مزحة، تبدو الوجوه متجهمة، راقبت ما يحدث بهدوء، تم توزيع الفريق الطبي على أقسام العناية المركزة والطوارئ لكن الغريب أن اسمي لم يكن ضمن القائمة.
تساءلت لماذا تم استدعائي إذن؟
بينما أنا ساهمة في التفكير سمعت اسمي يتردد رائدة ستكونين مسؤولة عن استقبال الحالات المشتبه بها العائدة من الخارج وسيكون الفريق خارج المنطقة، لم يسمح لنا بالعودة لمنازلنا أو حتى تجهيز حاجياتنا، دائما ما كنت أسمع وأقرأ عن الحروب في زمن ما لكنني لم أكن أتخيل أنني سأخوض حربا من هذا النوع.
توجهنا إلى الموقع يبدو المكان كثكنة عسكرية وهو محاط بسيارات الحراسة الأمنية وخال من المشاعر تماما، بينما أسير إلى البوابة سمعت كلمة «محجر».. وهنا عدت إلى العصور القديمة حيث يتم عزل الكهنة بالأمراض الجلدية لمدة أسبوع وتذكرت أول عملية حجر في التاريخ وفق موقع شبكة فرانس 24 كان في مدينة دوبروفنيك الكرواتية عام 1377 واستخدم في مدينة البندقية الإيطالية حيث تم فرض العزل على السفن القادمة من مناطق مختلفة ضربها الطاعون..
كل هذا التاريخ لم يعد مهما في هذه اللحظة حين تذكرت والدتي حين سأخبرها بأنني لن استطيع رؤيتها وكيف سيكون وقع الخبر على قلبها الرؤوم، والدتي العظيمة والتي أورثتني جينيا هذا الفيض من الحنان واللطف الذي صار جزءا من شخصيتي، أتى صوتها على هيئة ابتهالات ودعوات صادقة وكان هذا الصوت يمدني بالقوة والهمة والصلابة ويجعلني أحافظ على القوة التي تراهن عليها والدتي «بأنني القوية التي توردت الحياة إثر ابتسامتها»..
لا أعلم كم مر من الوقت، جل ما أتذكره أن الفيروس تسلل إلى رأسي أنا التي أبدأ صباحي بفنجان قهوة أستمتع بمذاقه أصبحت القهوة مجرد تجربة لكفاءة حاسة الشم والتذوق لدي لأن فقدها يعني إصابتي بالمرض..
ازدادت أعداد المرضى، امتلأت غرف العناية المركزة، لم يكن عدد المتعافين مهما ليس تجاهلا لكنني أعلم أن أحدهم لم يكن بحاجة إلى جهاز تنفس صناعي..
ثم ماذا ! بدأت في عد أجهزة التنفس في المشفى الذي أعمل به ولم أكتف بذلك بل قفزت بذاكرتي إلى المجمع المجاور..
احتمالات كثيرة ماذا لو انهار النظام الصحي كما حدث في دول متقدمة؟ ماذا لو لم نستطع ككادر السيطرة على أعداد المرضى؟
أطرد من رأسي تلك الأفكار، لا لن ينهار، لدينا جميع الإمكانيات التي تجعلنا في مأمن هذا ما صرح به وزير الصحة..
فجأة تنطلق صافرة الإنذار للمرة الأولى ما الذي يحدث؟
ما الذي يجب علي أن أفعل؟
استيقظت..
ياااااه كان كابوسا والحمد لله نجحت فيه مملكتنا الحبيبة بجدارة ولو تم التصويت في تلك الفترة لنالت حكومة المملكة المركز الأول في إدارتها للجائحة..
ترى ماذا ستتذكر من جائحة كورونا بعد أن تم الإعلان عن انتهائها عالميا؟
@raedaahmedrr