محمد الحرز

ثمة مسألة لها موقع الأهمية في الدراسات الاجتماعية الإنثروبولوجية التي تخص الإجابة عن السؤال الكبير الذي طرحه المختصون من المستشرقين والباحثين والمؤرخين في أكثر من وجه، وفي أكثر من زاوية، ألا وهو: ما الإسلام؟

هذي المسألة تتعلق بالتنوع الهائل الذي تعيشه المجتمعات التي تندرج تحت مسمى الإسلام، فالمشكلة بالنسبة لهؤلاء المختصين هي على سبيل المثال، ما القاسم المشترك بين مسلم يعيش في إندونيسيا أو ماليزيا، ومسلم يعيش في المغرب العربي من جهة المعيش اليومي من عادات وتقاليد ومعتقدات وطقوس؟

ثم كيف يمكن لمصطلح الإسلام أن يستوعب كل هذا التنوع دون أن نقع في التناقض المؤدي إلى سوء الفهم والتنافر؟

لذا ظهرت اجتهادات متنوّعة، بعضها كانت ترى أنه لا بد من إيجاد بديل عن مصطلح «الإسلام» حتى يمكن استيعاب هذا التنوع من خلال مفهوم جامع مانع، وهنا يمكن الإشارة إلى اجتهادات كليفورد غيرتز وطلال أسد.

بينما بعض الاجتهادات الأخرى وإن كانت لم تتخذ من الممارسة الإنثروبولوجية ومناهجها طريقة في البحث والتقصّي، إلا أنها اجتهادات تتقاطع مع بعضها البعض في الدوافع والأهداف، فمشروع «الإسلام واحدا ومتعددا» الذي انطلق من العاصمة التونسية 2007 تحت إشراف المفكر عبدالمجيد الشرفي أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية، وقد تبنى المشروع رابطة العقلانيين العرب، وقد صدر منها سلسلة من الكتب عن دار الطليعة ببيروت تجاوزت أربعة عشر كتابًا منها: إسلام المتكلمين، إسلام الفقهاء، إسلام المتصوفة، إسلام الفلاسفة، إسلام المجددين، الإسلام الآسيوي.. إلخ.

لقد كان من أهداف هذا المشروع كما كان يراها في مجال رؤيته الباحث الشرفي أن الإسلام منذ نشأته لم يتخذ مسارًا واحدًا في تلقيه عند الشعوب المسلمة، وأن تعدد تأويلاته هي التي حكمت مساره التاريخي، وأن كل جماعة كانت تقوم بمهمة تأويل النص القرآني والسنة النبوية، فهي بحاجة إلى سلطة تدعم هذا التأويل، وتجعله يصمد أمام ضربات التأويلات الأخرى. لذلك صراع التأويلات هو الذي حكم مسار التاريخ الإسلامي، ومن حاز السلطة كان تأويله هو المهيمن ولا حاجة لنا هنا إلى الاستشهادات حتى لا يطول المقام.

لكن النقص في مثل هذه المشاريع أنها تحصر اجتهاداتها في تاريخ الأفكار اعتمادًا على ما تنتجه العلوم الإنسانية الغربية كالتفكيكية مثلًا – وهذا مطلب أولي مهم- لكنه لا يكفي الوقوف عند آلية التأويل واشتغالاتها النصية، فهي لا تفرز سوى تدويل الصراعات بالنهاية، فنحن نرى ونشاهد كيف يقوم مفكر معاصر بتأويل وقراءة فيلسوف كابن رشد أو عالم اجتماع كابن خلدون، بحيث انطلاقا منه يبني نموذجًا تنويريًّا لو تأملناه وجدناه يختلف تمامًا أو يتعارض مع نماذج أخرى لمفكرين آخرين تأولوا هذا الفيلسوف أو عالم الاجتماع، وهذا الأمر يتصل بطبيعة التأويل واشتغالاته.

وهنا النقطة الأهم التي أريد أن أختم بها المقال، فعلى الرغم من الأهمية القصوى للكشف عن مسارات التأويل التي طالت تاريخ الإسلام نصوصًا ووثائق، غير أن هذا لا يحل صعوبة فهم مسألة التنوع في فضاء المجتمعات الإسلامية.

ربما كانت الممارسة الإنثروبولوجية الموجّهة كمشاريع قد تحل جزءًا من تلك الصعوبة، على افتراض أن الممارسة لن تتصل بدوافع استشراقية أو استعمارية، كما كانت في فترة من فترات تاريخها.

وهذا يعني أن مثل هذه الممارسة سوف تقف على فضاء اجتماعي في أدق تفاصيله كاشفة عن حقائق وأساليب معيشية لا يمكن أن يصل إليها التأويل من خلال النصوص.

شروط هذه الممارسة يحققها حاليًّا ما يسمى (سائح يوتيوبر) المنتشرة بقوة في شبكات التواصل الاجتماعي.

@MohammedAlHerz3