هناء مكي

يعرض في السينما هذه الأيام الفيلم الكندي «بلاكبيري» الذي يتحدث عن أول هاتف ذكي ابتكرته الشركة الكندية «بلاكبيري»، والذي لا يعرفه معظم أجيال الذكاء الاصطناعي ويقدم اليوم كنوع من المقتنيات القديمة، ولكنه بالطبع معروف لدى أجيالنا، إنه أول هاتف ذكي تعلقنا به تعلقا شديدا، هذا الهاتف خدمنا كثيرا في أعمالنا قبل أن يكون جهاز اتصال ومحفزا للتواصل الاجتماعي، فقد استفدنا منه كصحفيين كثيرا، كان يوفر علينا جهد الوصول إلى المكتب لإنجاز العمل وتفقد بريدنا الإلكتروني فيكفينا المكوث في مكان به تغطية للإنترنت حتى نكمل عملنا ونرسله عبره بالذات إن كان الخبر عاجلا ونحن لم نكمل مهامنا بعد.

كان جهاز حاسوب صغيرا ذا شاشة عريضة ومفاتيح تشبه الحاسوب أكثر من الهاتف المحمول الذي اعتدنا عليه، ويقدم خدمات متطورة تفوق كونه جهاز اتصال، لذا كان يحمله فئة محدودة وقت دخوله أسواقنا المحلية، إذ كان موجها بالأساس ليشتريه رجال الأعمال والذي صنع لأجلهم، لذا كان تعلقنا به وبالخدمات التي يوفرها وكنا نسارع لاقتناء كل أدواته وزينته وملحقاته وكأنه مصنوع لفئة دون غيرها. هذا الأمر أعطاه خصوصية كبيرة، فيمكن من خلاله معرفة شخصية من يمتلك هاتف البلاكبيري ويمكن فهم طبيعة شخصيتهم وعملهم حتى اعتقدت أنهم مميزون وغامضون وشخصياتهم قوية، فالأفراد العاديون كانوا يرونه معقدا بينما يراه من يعينهم على أعمالهم جزءا منهم لا يمكنهم بأي حال التخلي عنه أو حتى نسيانه أو ضياعه حتى يرتبط به ارتباطا كبيرا. أتذكر أنني حصلت على أول هاتف بلاكبيري في عام 2006، ولم يعجبني إذ أنه يحتاج خدمة خاصة به يتم طلبها بالاشتراكات من شركة الاتصالات، وأيضا لا يمكن الاستفادة منه إلا مع من لديهم ذات الجهاز فهو يقدم الخدمة فقط لحاملي هاتفه فلديه نظام تشغيل خاص به وحده، وفي ذلك الوقت لا أحد كان يقتني مثل هذا الهاتف المعقد والباهظ، ولكن في غضون عامين بات الهاتف منتشرا بشكل أوسع وكانت خدمة الرسائل الفورية في ذلك الوقت ميزة جعلته مفضلا لدى الجميع قبل أن يظهر تطبيق الواتساب لدينا في عام 2010، وينهي خصوصية خدمات البلاكبيري التي كانت دافعا لتفضيله ومن ثم كانت سببا في تركه، فمن الواضح جدا أن عملية الاحتكار في خدمة الرسائل الفورية «البي بي إم» وكانت تعمل بنظام «الكودات الخاصة» وهذا الأمر الخاص والذي أضاف على الهاتف ومقتنيه خاصية تشبه بقدر كبير «الزبائن الدائمين الخاصين» أن الشركة لا تعتزم فتح هذه الخدمة لتكون عامة، ولكن ومع ظهور خدمة الواتساب التي نشأت من فكرة «البي بي إم» الخاص ببلاكبيري أصلا ولكن بطريقة يمكن أن تستفيد منها جميع الهواتف ولا تكون حكرا على هاتف بعينه، هذا الأمر كشف عورة الشركة، وهنا كانت بداية النهاية، وبدل أن تجاري العالم المنفتح والمتطور الذي راح يسرق أفكارها، تقوقعت بلاكبيري في مكانها وأعلنت استسلامها معلنة أنه مع بداية 2022 ستكون نهاية هاتفها المميز، وأنا بدوري تخليت عن خدمات هاتفي البلاكبيري في عام 2016، ولكني لا أزال احتفظ به.

منذ فترة كنت أتساءل كيف لأول هاتف ذكي بالمواصفات المتقدمة التي يمتلكها وأفكار صانعيه أن ينتهي وكأنه شيء لم يكن؟ فحتى «نوكيا» ما زالت تصارع للبقاء ولم تستسلم، وهذا ما سيجيب عنه الفيلم الذي أتشوق لحجز مقعد بالسينما لمشاهدته، فأنا أريد معرفة تفاصيل التفاصيل لتلك الخسارة المدوية التي جعلتني أتيقن أنه لا اعتبارات في عالم التكنولوجيا، وأنها ضربات حظ ولا غير ذلك.

@hana_maki00