غالية المطيري

وقفت بقدميَّ العاريتين على شاطئ البحر، ولصوته وحركة أمواجه نغمة موسيقية تعزف على مكنون نفس، بشكل لا يمكن وصفه ومنظر الأفق البعيد، واتحاد اللون الأزرق، الذي شكل لوحة عجيبة، لا يفصلها سوى خط رفيع يختفي، لونه رمادي بين زرقة البحر والسماء، كما اختفيت وأنا أمشي نحو البحر.

لم أعد أشعر بأي شيء، ولا حتى بأمواج البحر التي بدأت تضرب بقوة أجزاء جسدي، الذي لم يتوقف عن السير حتى مع غياب الأرض من تحت قدميَّ.

لم أكن أشعر إلا بملوحة دموعي التي خالطت البحر، فازدادت ملوحته مرارة. كنت قد أغمضت عينيَّ، مع أن أول درس في السباحة هو أن تتعلم أن تُبقي عينيك مفتوحتين.

هل لأن البحر خداع، يسحرك بجماله، ويجعلك تمشي له من دون شعور، لذلك عليك أن تكون متيقظًا فاتح العينين، ومنتبهًا كما في بعض العلاقات، التي تكون نهايتك فيها كارثية، لأنك تكون مندفعًا من دون أن تحسب موقعك في قلب من أمامك، فلا تشعر إلا بذلك البرود والتجاهل، الذي يحيل أيام حياتك إلى شتاء قارس وأنت من دون مأوى.

كانت تلك الأفكار تلهب شعور اليأس بداخلي، فأنطلق إلى ذلك البحر الهادر غير مبالٍ بذلك الجسد الخائف من نقص الأكسجين وانعدام التنفس. كنت كالمتفرج على ذلك الصراع بين جسدي الذي يقاوم ليعيش، وتلك الروح المحطمة. كنت أشعر به وهو يستغيث بنفسي اليائسة تلك، وهي ماضية نحو الموت.

وكأنها تحاول التعرف على ذلك الموت المخيف، وتقول: أيها الموت أريد أن أتذوق طعم ألمك، أن أتعرف عليك وعلى ذلك العالم بعدك.

هل سأجد الراحة في تلك الحياة؟!

كان الماء بدأ يغلق رئتيَّ عندما أحسست بتلك اليدين القويتين اللتين حملتاني بكل قوة وشدة، عندها أحسست بالخوف من فداحة ذلك الأمر الذي أقدمت عليه.

بكل قوة دفعت تلك اليدين عني، وبدأت السباحة وهو من خلفي، سقطت على الشاطئ. سعلت لأطرد بقايا الماء الذي علق برئتيَّ. وأخذت نفسًا عميقًا، بينما وقف هو خلفي ليقول هل أنت بخير؟.

- نعم

كان على وشك أن يطرح سؤالا آخر

ولكن قطعت ذلك بعناقه والبكاء بشدة

ليضمني ويقول: البكاء سيريحك يا بني

اعلم أن مصيبتك عظيمة، ولكن تأكد يا بني أن الله لم يمتحنك ذلك الامتحان، إلا وقد أعطاك سبحانه مقدرة على النجاح. شهقت كالطفل الصغير الضعيف، وليس كرجل بلغ الثلاثين من عمره لأقول: كيف يا أبي؟!

ليرد كيف، أنت من تستطيع الإجابة عليها يا بني.

قاطع حوارنا ذاك صوت المخرج وهو يقول Cut

أداؤكم كان رائعًا

لحقت به

- وأنا أقول إذا سيتم اختياري للتمثيل

- لا أستطيع أن أعدك يا عزيزي، فاعذرني

على أن أداءك رائع جدًا، إلا إنه لا يمكن أن أعدك بشيء

- لماذا يا سيدي

- لأن هناك ممثلة مرشحة لأداء الدور، مع أن الحقيقة أنت أفضل أداء منها

ثم مضى وترك ممثلنا المبدع ليهتف من خلفه صارخًا

إذًا كيف يمكن للشخص المتفوق في مجال ما، أن ينجح إذا كان التميز والخبرة والمؤهل والعطاء والجودة مفاهيم ليست في قواميسكم؟!.