أيمن إبراهيم

عصر ما قبل الإسلام لم تكن الآلات ذات أهمية مطلقة، حيث كانوا يؤثرون سماع الغناء الصوتي على العزف الآلي، ليتسنى لهم تذوق عذوبة الشعر ومعانيه، بسبب الوضع الجغرافي في الجزيرة العربية التي لم تسمح بظهور التراجيدية، التي لا تنبت إلا في رقعة تولدت فيها الحضارة، وألقت بظلالها على كل ما حولها..

لم يستخدم العرب أبداً الموسيقى في عباداتهم كما فعل الغرب، خصوصًا أنهم قبل الإسلام لم يكن لديهم دين واحد يجمعهم؛ لذا فإن الموسيقى الدينية قبل الإسلام تكاد تكون مهملة.. أما الموسيقى الدنيوية فكانت أكثر أهمية.

ولعبت المرأة دورًا أساسيًا في انتشار الموسيقى العربية قبل الإسلام، إذ كانت نساء القبائل يشتركن في موسيقى الأعياد العائلية أو القبلية بآلاتهن. وقد استمرت تلك العادات حتى أن هند بنت عتبة كانت على رأس بعض النسوة، اللاتي كن يخففن متاعب السفر عن قريش في غزوة أحد سنة ٦٢٥ بالأغاني، ورثاء قتلى بدر بضرب الدفوف.

وظهرت طبقة في تلك الحقبة تسمى بالقينات أو القيان، حيث تواجدن في كل البقاع التي تواجد فيها العربي كشبه الجزيرة العربية وسوريا والعراق. وظهرت القيان أيضًا في قصور الملوك وبيوت الأثرياء ورؤساء القبائل، كما ظهرن في الحانات وفي مضارب الخيام القبلية، حيث كان اقتناؤها مدعاة للفخر، وكن يمتزن بالعزف والغناء..

كانت الموسيقى في فترة ما قبل الإسلام مشابهة لتلك الموسيقى القديمة في الشرق الأوسط. ومعظم المؤرخين يتفقون على أنه كان عند العرب أشكال مختلفة من الموسيقى في فترة ما بين القرنين ٦-٧ م. حيث كان الشعراء يلقون الشعر نوطات عالية، ومن أشهر الموسيقيين الجاهليين عدي بن ربيعة شاعر بني تغلب، المشهور بالمهلهل بسبب صوته، وعلقمة بن عبدة من الشعراء الذين غنوا المعلقات. وكان الأعشى ميمون بن قيس يطوف أرجاء الجزيرة العربية وبيده الصنج، يغني الأشعار الرائعة التي وهبته مكانة بين شعراء المعلقات، وكان يسمى صناجة العرب..

وهذا يؤكد على كلام الدكتور كورت زاكي، حينما صرح في محاضرته المعنونة بتاريخ الآلات الموسيقية عن تاريخ البيانو، حيث قال: إن آلاتنا الموسيقية جميعها مصدرها الشرق الأوسط، وقد انتقلت إلى أوروبا بعدة طرق، والآلة الوحيدة التي تعتز أوروبا بها هي البيانو، وثبت أيضًا أن هذه الآلة مصدرها عربي أندلسي، وأقدم لفظ أطلق عليها في اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية هي Echiquier «الشقير».