هل نحن نختلف في طرق تفكيرنا، وهل تؤثر هذه الطرق في حياتنا، وهل يمكن أن نطور من طرق تفكيرنا؟
تحدثنا الكاتبة كارول دويك، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم النفس من جامعة ييل الأمريكية، في كتابها طريقة التفكير، على أن البشر ينقسمون في طرق تفكيرهم إلى نوعَين، وهما أصحاب العقلية الثابتة، وأصحاب عقلية النمو، فالنوع الأول من الناس، يعتقدون أن القدرات والمهارات والذكاء، أمور ثابتة لا يمكن أن تتغيّر، بمعنى أنها أمور فطرية وغير مكتسبة بالكلية؛ لذا تجدهم يميلون لحب مادة دراسية معينة أو لكرهها، أو يظنون أن هناك مجالات تناسبهم دون غيرها، فهم يبحثون دائمًا عن توثيق الإنجازات، ولا يحبون التحدي، ويشعرون بالملل والغضب، عند المحاولة لتعلم شيء جديد، ويكرهون النقد ويتعاملون معه بشكل شخصي، ولا يسعون للتجديد، بل يفضلون دوما الاستمرار في أنماطهم الحالية دون أدنى تغيير، ويعتقدون أن الفشل، هو مقياس لقدراتهم، فلا يعملون على إعادة تجاربهم مرة أخرى. أما النوع الثاني من الناس، فهم أصحاب عقلية النمو، وهم الذين يفكرون بطريقة مختلفة تمامًا، ويعتقدون أن القدرات والمهارات والذكاء، أمور مكتسبة، وأنه دائمًا ما تتوافر للمرء مساحة للتحسين والتطوير المستمر، مهما كانت بداياته متواضعة، ويعتقدون كذلك، أن النجاح عبارة عن سعي مستمر، ويقنعون أنفسهم بأنهم قادرون على تعلم أي أمر ما، مع ملاحظة أن أحدهم لن يصبح خبيرًا في هذا المجال، ولكن ستكون لديه القدرة على التطوير والتعلم بقدر ما يخصص لهذا المجال من الوقت والجهد والتدريب، وهذا النوع من الناس تجده يبحث دائمًا عن النمو، والتحدي، وتجده غالبًا، ما يحول النقد الموجّه إليه، إلى وسيلة يحسن ويطور بها من قدراته ومهاراته، بل تجده أيضًا يرى أن الفشل هو طريق للنمو والتقدم. وقد أصبحنا اليوم، نعيش في مجتمع يطغى على معظمه النوع الأول من الناس، وهي فكرة تم تعزيزها من خلال الأفلام السينمائية، التي بُنيت على أن مَن يمتلكون قدرات خاصة، هم فقط القادرون على مواجهة المخاطر، وكذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح النجاح مقصورًا على المال أو الشهرة، أو الوظيفة المرموقة، أي أن النجاح مرتبط فقط بنتائج مادية زائفة، والمعلوم أن طريقة التفكير تبدأ بالتشكل لدى الأطفال منذ السنة الثالثة، فالأطفال في هذه الفترة، يستمعون ويتعلمون مما يشاهدونه من ممارسات غيرهم من الكبار، فتتشكل عقليتهم بناءً على التصرفات التي يشاهدونها ويعيشونها مع مَن حولهم، سواء كانت عبارة عن عقلية ثابتة أو عقلية نمو؛ لذا تجد أن الطفل الذي تشكلت لديه عقلية ثابتة يواجه صعوبة في التعلم، فلا يقبل التحدي لخوفه من الفشل، في حين أن الطفل الآخر، يسعى دائمًا لأن يُدخل نفسه في تجارب جديدة ويحاول أن يتحدى نفسه، وهذا ما يدفعه للتعلم أكثر وأكثر، وترى الكاتبة أن هناك أمرَين مهمَّين يسهمان في جعل الأطفال إما أصحاب عقلية ثابتة أو عقلية نمو، وهما المدح والتنمّر.
ختامًا.. نقول إن التربية على المبادرة ومواجهة المخاطر، والبُعد عن الدعة والخمول، تسهم في بناء جيل جاد مثابر، وأنه ينبغي أن نربي أبناءنا على أن النجاح الحقيقي مرتبط بالقيم التي يؤمنون بها، فأي نجاح خال من القيم لا يُعتبر كذلك.