متعب القحطاني يكتب:@MetebQ

من مظاهر العظمة في سيرة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أنك تستطيع قراءتها من عدة زوايا، وترى الحدث الواحد من منظور مختلف في كل مرة.

في هذا المقال، سننظر لبعض المرويّات من سيرته العطرة من زاوية القيادة الملهمة، والتركيز على واحد من أهم مفاتيح النجاح القيادي والتأثير الجماهيري.

سئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: ما كان يصنع في بيته؟ فقالت: كان يكون في خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إليها.

وكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة -رضي الله عنها- قام إليها، فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه.

ويقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «إنْ كانت الأمَة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت».

وفي رواية أخرى: جاءت امرأة إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فقالت: يا رسول الله إنَّ لي إليك حاجة. فقال لها: «يا أم فلان، اجلسي في أي نواحي السِّكَكِ شئتِ حتى أجلس إليك». فجلست، فجلس النبي «صلى الله عليه وسلم» إليها، حتى قضت حاجتها.

وكان لرسول الله «صلى الله عليه وسلم» غلام يهودي يخدمه، فمرض، فذهب يعوده، وقعد عند رأسه، فقال له: أسْلِمْ، فنظر الغلام إلى أبيه، فقال له: أطِعْ أبا القاسم... إلخ القصة.

وروى خادم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عنه أنه كان يمازح أخًا له صغيرًا يقال له أبو عُمير، فيقول له: «يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَير»؟ والنُّغَير طائرٌ صغير كان يلعب به.

وفي غزوة أحد، كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بين أصحابه يقاتل ببسالة حتى كُسِرت رباعيّته، وشُجَّ رأسه، فجعل يمسح الدَّمَ عن وجهه الشريف.

وقد شارك «صلى الله عليه وسلم» أصحابَه في غزوة الأحزاب (وهو في سِنّ السابعة والخمسين) في حفر الخندق، وعانى معهم آلام التعب والعطش والجوع. ولمّا دعاه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- إلى ما يسدّ رمقه، لم يستأثر بذلك دونهم، بل دعاهم إليه وشاركهم فيه.

هذا هو حال القائد القدوة الملهم، قريبٌ من الناس يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، نجاحاتهم وإخفاقاتهم، يتقدّمهم في الملمّات، ولا يتخلى عنهم عند التحديات والمهام الصعبة.

فلم تمنع رسولَ الله «صلى الله عليه وسلم» نبوّتُه ولا مسؤولياته الجِسام من أن يكون قريبًا من أهله يشاركهم في عمل البيت، ويبادلهم الحبَّ والعاطفة، ويتفقد أحوالهم.

كان قريبًا متاحًا لأضعف الناس، وربما أقلّهم مكانة اجتماعية، هيّنًا ليّنًا. يصلون إليه ويحدّثونه، فيستمع إليهم ويحاورهم ويقضي حاجاتهم، دون تكبّرٍ أو تأفّف.

كان قريبًا يتواصل مع الناس، يحضر مناسباتهم ويشاركهم مشاعرهم واهتماماتهم. زار خادمه اليهودي حين افتقده وعلم بمرضه، بل وجلس عند رأسه، بكل حب وتواضع. ومازح طفلًا صغيرًا وشاركه اهتماماته وسأله عنها.

إن من أهم مفاتيح النجاح في القيادة الملهمة والتأثير هو أن تكون قريبًا، فالبعيد لا يُرى ولا يُسمَع ولا يُفتقد.