د. محمد حامد الغامدي

المسؤول عن الفرد هو نفسه المسؤول عن الأشياء التي كان الفرد مسؤولًا عنها كمتطلبات حياة قبل توحيد بلادنا «يحفظها الله». ماذا يعني ذلك؟ أطرح أفكارًا تزيد مساحة أهمية مشكلة ندرة الماء التي أحمل منذ أربعة عقود. ستظل هذه الندرة التحدي الأعظم مع زيادة الطلب على المياه سنة بعد أخرى. الإجابات تشمل محور انتقال منفعة المسؤوليات من الفرد والجماعة إلى مسؤولية مؤسسات تخدم بقاء الفرد وتأمين متطلبات حياته. المنفعة مقابل جهد يبذله الفرد لصالح مؤسسات انتقلت إليها مصالح الأفراد، بجانب أمانة تنميتها وإدارتها، لتحقيق المصلحة العامة وتعزيزها.

نتيجة للتغيّرات في نمط الحياة ومتطلباتها، تخلّى الفرد عن مسؤوليته المباشرة عن المطر وإدارته. أيضًا أبعدته عن مسؤولياته البيئية التراثية التاريخية، وكانت تشكّل جوانب حياته لقرون. حتى البيئة كانت تعتمد على رعاية الفرد والجماعة بشكلٍ مكثف، وبأنظمة تحافظ على توازناتها الطبيعية والضرورية.

مع انحراف نشاط الفرد إلى مجالات عمل أخرى في كيان مجدنا الجديد، يأتي السؤال: مَن تولى أمر إدارة المطر وبيئته؟ كإجابة مختصرة، جاءت الوزارات المعنية لتشكّل نظامًا جديدًا للحياة، بأبعاد ونتائج جديدة، وبأهداف تحقق غايات حديثة. ومع تحديثها المستدام تأتي الطفرات، تحمل متغيّرات وتستبدل أشياء بأشياء، وتحل أخرى حديثة محل سابقاتها. هذه المصفوفات تشكّل مراحل تغيير مستدامة ضرورية. تنقل من مستوى حياة إلى أخرى أكثر تطورًا وشأنًا. أيضًا من مستوى مسؤوليات إلى أخرى أكثر تحديثًا وتحديًا وأهمية. وكنتيجة تتغيّر المعلومات، والمهارات، والتفكير، والمتطلبات. مع مراحل هذه التغيرات، تدفع البيئة، في ظل الإهمال، الثمن الأكثر تكلفة.

وقفتُ -كفرد- عاجزًا عن الاستفادة من مياه الأمطار في إحدى مناطقنا المطيرة خلال موسمها الحالي. شاهدتها تشكّل فيضانات هادرة ومدمّرة. عشت لحظات جريان ضياعها. ليس لأنني في غنى عنها، لكن مسؤولية إدارة استقبالها، وإدارة الانتفاع بها انتقلت من يدي كفرد إلى جهة رسمية أخرى، اسمها الوزارة.

عشتُ حياة ما قبل الطفرة، وحياة الطفرة، ومراحل ما بعد الطفرة. أخيرًا أعيش مرحلة الاستمطار الصناعي الجديدة. معها جميعًا: ماذا خسرت البيئة وربحت؟ إجابات طرح السؤال ترد تباعًا في سلسلة هذه المقالات، التي وصلت معها إلى هذا المقال الثامن. بهدف تشخيص المشاكل وتحديد الاحتياجات، وقراءة تأثير النتائج على المستقبل في ظل مؤشرات حقائق الواقع، وأبعادها.

أقدّم بعض الأمثلة لحصيلة رصدي للتغيّرات البيئية خلال المراحل السابقة. شاهدتُ كيف تحوّلت بيئات المزارع التاريخية التراثية إلى مخططات عمرانية وتنموية. في الأحساء - كمثال - شاهدتُ أراضي مزارع الحبوب تتحوّل إلى أحياء عمرانية مشهورة. ومنها جزء من موقع جامعة الملك فيصل الحالي وما يحيط بها من بعض الأحياء السكنية. ما زلتُ أتحسّر على ردم بئر ماء كبيرة تاريخية تراثية مبنية من الحجر كانت في مقر الجامعة. وكان يمكن الحفاظ عليها كمعلم له قراءاته المفيدة.

طفرة الطوفان التنموي العظيمة الشأن طالت الكثير من المواقع الزراعية في جميع أنحاء المملكة. بل توسّعت جميع القرى الريفية على حساب الرقعة الزراعية التراثية التاريخية، وتحوّلت إلى مدن كبيرة، منها مدينة الباحة، عاصمة منطقة الباحة، ومدينة أبها عاصمة منطقة عسير. وضع عاشته جميع مناطق المملكة الإدارية، رغم وجود الأنظمة والقوانين التي كانت تمنع ذلك التعدي في حينه.

حاليًّا في مناطقنا المطيرة، وهي الأهم لتغذية المياه الجوفية، أمر البيئة يزداد تحديًا وخطورة، خاصة مع مرحلة الاستمطار الصناعي. من الضروري اتخاذ إجراءات وخطوات بيئية استباقية قبل عمليات الاستمطار. تجنب خسارة هذه المناطق المطرية الإستراتيجية بيئيًّا وإلى الأبد مطلب وطني مُلحّ. إنها تمثل الخزان الإستراتيجي لتغذية المياه الجوفية. لتكن حماية بيئة مناطقنا المطيرة الهدف الأسمى. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH