سالم اليامي يكتب:salemalyami @

منذ الصغر ونحن نسمع الثاني خير، يعني أن الأمر الثاني أو الخيار الثاني حتى في اللعب وقضاء أوقات المرح مع الرفاق هو الأفضل. في المقابل، هناك قصص وحكايات كنا نستمتع بسماعها في سن الطفولة، من ذلك النوع الذي كانت تردده الأمهات والجدات، يقول إن الثاني سواء كان خيارا أو رأيا ليس مفضلا دائما، وأتذكر جدتي محسنة بنت علي - غفر الله لها - وهي تعيد علينا حكايات ولد السلطان الذي رفض أن يضرب الثعبان الذي يشرب ماء القرية كله الضربة الثانية، لأنه وحسب سياق القصة القديمة إذا كرر ضرب الثعبان قام من جديد من الرماد، وكم حفظنا رد ولد السلطان على الثعبان عندما قال له اضربني، فقال ابن السلطان: أمي ما جابتني مرتين.

بعيداً عن كل ذلك، ومع تطور التجربة الحياتية، والتقدم في العمر، ونضج الممارسة في هذه الدنيا، أصبح الثاني كخيار، أو حتى أمر مكرر، شيئا لا يخلو من الدهشة والاكتشاف، وأضرب لكم مثلاً على ما أقول، أدعي اليوم أنني أملك ذائقة جديدة ومتطورة وناضجة وربما حتى مستوعبة بشكل أفضل لما أقرأه وأشاهده. وأذكر أني تابعت فيلمين عربيين قديمين من الأفلام المشهورة سبق أن شاهدتهما منذ زمن يعني قبل حوالي ثلاثين عاما، وعدت لهما اليوم بالرواية الثانية، وكأنها كانت سحرا أجربه لأول مرة. أبهرتني القصة البسيطة والمعالجة القريبة من السذاجة، والإخراج المتواضع، والتصوير السينمائي الذي كان سابق عصره، هذه هي المرة الثانية مع السينما وما يعرض فيها... قبل مدة استمعت لأغنية لمطربة خليجية شعبية متوفاه منذ سنوات الأغنية منتجة في آخر سبعينيات القرن الماضي، وكان لها مقدمة موسيقية سابقة لعصرها يغلب عليها صوت آلة الأورج الذي كان موضة في أغاني تلك المرحلة. الأغنية بمقياس حكمي عليها اليوم باذخة لحنياً، وفيها عشرات الجمل الجميلة، والرقيقة، وقضيت بعض الوقت منبهرا بالأغنية لأنني أسمعها للمرة الثانية، لدرجة أني كنت أتوقف عن التأمل في الوقت الذي تغني فيه الفنانة الشعبية وأستعد بحواسي عندما تصدح الموسيقى، والموسيقى فقط. المرة الثانية خطيرة في الحقيقة ومن تجاربي التي تثبت هذه الخطورة أني كنت في سن متقدمة أضع صورة سياسي عربي بالأبيض والأسود على مذكرتي السنوية وأنقل تلك الصورة من المذكرة القديمة إلى المذكرة الجديدة التي كنت أقتنيها مطلع كل عام ميلادي، وهذا من باب الإعجاب طبعاً بذلك الشخص، واليوم وكقراءة ثانية أو اختبار لحالة الإعجاب بذات المخلوق أجدني لا أحب النظر إلى صورته.