علم الأنساب من العلوم الإنسانية التي دأب الإنسان ومنذ القِدَم على تعلمها وتتبعها، وقد كانت الأسر الحاكمة ومنذ القِدم تتبع أسماء ملوكها وجذورهم، فقد وجد في مصر منحوتات أسماء حكام مصر الفرعونية، وكما وجد في العراق منحوتات تحمل أسماء حكام إحدى السلالات الحاكمة البابلية ومنابتها. كما ذكروا في مسمارياتهم أسماء حكام ديلمون وأعقابهم من الحكام. كذلك اهتم العبريون في أنساب الشعوب ودوّنوها في كتبهم، كما عن أحفاد نبي الله إسماعيل وأسماء عقبه، كما رووا عن عدنان وعن قحطان إلى غيرها من قبائل العرب.
كما حث على معرفة أنساب النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث جاء بالحديث الصحيح: (تنكح المرأة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها). وروى بفتح مكة بالحديث الحسن أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» خطب بالناس على راحلته، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد! فإن الله -عز وجل- قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله»، ثم قال: «إن الله عز وجل يقول (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)» آية 3 سورة الحجرات. كما ذكر بالحديث الصحيح عن إسحاق بن سعيد أنه قال: حدثني أبي قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمت له برحم بعيدة، فألان له القول، وقال: قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: (اعرفوا أنسابكم تصلوا به أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة).
وعندما وضع الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الديوان في سنة عشرين للهجرة، أمر بأن يتم ترتيب قوائمها بحسب الأنساب والمنازل، فاستدعي ثلاثة ممن لهم معرفة بأنساب الناس هم: جبير بن مطعم، وعقيل بن أبي طالب، الأخ الأكبر للخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ومخرمة بن نوفل، فوضعوا الدواوين بحسب الأنساب والمنازل.
وفي القرن الثالث للهجرة بدأ الاهتمام المكتوب للعرب بالعلوم الإنسانية، ومنها التاريخ وعلم الأنساب وتتبعوا القصص والمرويات، سواء الشفهية منها، كما كان مع أبو الوليد الأزرقي في كتابه عن مكة، وذكره ما حدثه والده وجده، أو ما جاء من التراث المحفوظ شعرا. ومن ذلك الاهتمام الواسع بالأنساب اهتم العرب والمسلمون بتدوين أنساب قريش والقبائل العربية بوجه عام، ومن تتبع نسب قريش ثم الصحابة والخلفاء الراشدين، إلى أن تحولت مع مرور الزمن لتكون أكثر خصوصية، وتحديدا كما في كتب الأنساب الكثيرة في ذرية الخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
ورغم دخول الكثير من سكان الجزيرة في أحلاف قبلية نتيجة الظروف الزمانية والمكانية في القرون الهجرية المتأخرة من الفترة العباسية، إلا أن الاهتمام بالجذور والأصول كان قائمًا وإلى وقتنا الحالي. فإن رجعت إلى كتب التاريخ وأحداثه، تجد دائمًا مع الشخصيات مقرون نسبها مما كان معلومًا عنها.
وفي الآونة الأخيرة ومع تقدم العلوم اهتم العديد بعلم جديد وهو الأنساب الجينية، وهي تصل بالتحليل الجيني القريب والبعيد، سواء من طريق الأب أو من جهة الأم، وتحدد فترة الانتساب الزمنية. كما جعل المهتمين بهذا العلم النسبي الجيني جداول للقبائل ومشروعات جينية لمعرفة التحورات وزمنها التقريبي. وكثيرا ما تظهر تلك التحاليل عينات تعزز فكرة الأحلاف بدخول أحدهم إلى قبيلة والانضمام لها أو تأصيل صحة الانتساب القبلي. أو كذلك من ظهور انتماء إلى أسرة أو أخرى أو من تفرعات للأسر مجهولة.