د. محمد حامد الغامدي

- نحن جزء من العالم الواسع. ما يقع عليه بيئيا يقع علينا أيضًا. الجميع يعيش على سطح نفس المركب. النتائج بشقيها الإيجابي والسلبي تطال الجميع. هذا ما جعلني أبحر بكم في قراءة ملامح ما يحيط بظروف هذا المركب، وتأثيراتها، خاصة على المطر. فكانت سلسلة المقالات البيئية التسع السابقة. هي رسائل لتحريك الفكر نحو بوصلة مصير مشترك يواجه الجميع. استمرار المؤشرات وتعاظمها تثير القلق والتساؤلات. أمر سلامة البيئة يهم كل فرد. أيضًا بقية شركائنا في الحياة.

- تركيزي على الأمطار أساسه إنساني وأخلاقي. فالمطر مصدر المياه العذبة في العالم. وهذا يحدد الأهمية والشأن. وعليه متى تكون الأمطار ضارة أو نافعة؟ الجواب يحدده ويرسمه نشاط الإنسان نفسه. جور النشاطات الصناعية في هذه المرحلة من تاريخ الأرض، وتجاوزها الخطوط الحمراء، لم يردعها رادع. ويأتي السؤال: مَن سيدفع الثمن؟

- الإنسان خليفة الله في الأرض. أهم مخلوق. ذلك بفعل طاقات عظيمة استودعها الله في هذا الخليفة. بهذه الطاقات يصبح الأهم. هذا يعني أنه سيدفع الثمن، وسيلاقي المصير المُر والقاسي لكل التجاوزات. هو مَن يستثمر الأرض. هو من يُحدث التغيير السلبي ونتائجه الماحقة. هو مَن يترك (أثرًا) يؤثر في البيئة سلبًا أو إيجابًا. يتحدد مكان الضرر على الأرض، لكنه ينتشر ويتفشى كوباء يطال الجميع.

- سبق وقلت إن البيئة الطبيعية تجدد وتصون نفسها بماء المطر النقي. لكن مع تدخّل الإنسان تتحوَّل إلى بيئة صناعية. هنا يحصل الخلل. فتصبح غير قادرة على تجديد نفسها من جور التدخلات. كنتيجة تختل التوازنات ويتحقق الضرر. وكنتيجة يتحوّل المطر إلى ضرر على المدى الطويل غير المرئي.

- الأمطار تنزل على البيئة الطبيعية والصناعية على حد سواء. وتختلف التأثيرات وتتعدد وتتنوّع. وحتى لا يكون هناك تأثير سلبي متراكم مدمّر على المدى الطويل، فلابد من منع وقوع الضرر بإجراءات استباقية. وعبر التاريخ نجد أن حدس الإنسان دومًا يقوده إلى منع وقوع الضرر. وأضرب مثالًا بإنسان مناطقنا المطيرة في الجنوب الغربي من الدرع العربي. حيث برع في إدارة بيئته المطيرة. استطاع بمهاراته البيئية وقف نزيف فقد تربتها عبر التاريخ. حيث تتعرض للجرف المكثف بواسطة مياه الأمطار. استعمل وسائل وأدوات وأنظمة كانت الأعظم عبر التاريخ. بمهاراتهم جعلوها بيئة حية بكل مكوناتها، خاصة التربة الزراعية. فانتشرت عبر العالم كتطبيق عالي الكفاءة. هكذا تقول بعض الدراسات والأبحاث. فأصبحت أساس علوم كثيرة في عصر حضارة صناعية سادت على حساب البيئة وعطائها الزراعي والمائي.

- مع تفشي جور التغيير في عصر الحضارة العلمية الصناعية الجائرة على البيئة، تنبه العلماء إلى التأثيرات السلبية. فشرّعوا قوانين وأنظمة لحماية البيئة من جور أطماع الإنسان وسطوته المركّزة والمريضة. ورغم ذلك فإن الشق أكبر من الرقعة كما تقول العرب. فالمصالح لا يحددها العلماء وحكماء البيئة. يحددها آخرون. ونتيجة لذلك تخسر البيئة على المدى الطويل، ويخسر إنسانها. هنا يأتي السؤال المفتوح المحاذير: ما تأثير ذلك على مستقبل البشرية؟ ولأهمية السؤال سيكون محل حديث قادم.

- مع استفحال الضرر، تتعدد الأضرار. منها تحوّل الأمطار إلى مصدر ضرر قاسٍ بطرق متعددة. تأتي الأمطار الحمضية على رأس قائمة هذه الأضرار. وقد شكّلت المصيبة الأعظم قسوة وتأثيرًا على مجمل جوانب متطلبات البقاء. فهي أمطار سامة عابرة لكل الدول. لا يمكن منعها من العبور أو وقف تنقلاتها. أمطار قاتلة لكل أنواع الحياة في الطبيعة. العالم يشهد بسببها موت غابات الأشجار، والكائنات البحرية في البحيرات والأنهار. أيضًا الكائنات الحية الدقيقة في البيئة. في بلادنا تتجلى خطورة الأمطار في فقد التربة النادرة في مناطقنا المطيرة وفقد غطائها النباتي كنتيجة. ويستمر المقال بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH