Khaled_Bn_Moh@خالد الشنيبر

قبل عدة أسابيع كتبت مقالا عن تحديات المشاريع الصغيرة، وتواصل معي العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة لعرض معاناتهم في السوق، وكانت أبرز تلك التحديات هي المنافسة غير الشريفة بسبب ظاهرة التستر التجاري، والتي لا أعلم متى سنتمكن منها والقضاء عليها، وفي هذا المقال سأتطرق لشكل من أشكال التستر التجاري، والذي بدأ بالانتشار للأسف بشكل واضح في المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر.

في البداية، من المهم توضيح معنى ظاهرة التستر التجاري، والأقرب لها حسب تعريف وزارة التجارة، هو تمكين غير السعودي من العمل لحسابه الخاص بواسطة السعودي، أو المستثمر الأجنبي في نشاط محظور عليه، سـواءً كان ذلك عن طـريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجـاري أو بأي طريقة أخرى، ومن الطرق الأخرى الشائعة ما يعرف بمنح نسب معينة من الدخل، بالإضافة للعمولات غير المنطقية «للمتستر عليه»، وذلك لإبعاد الشبهات عن طرفي التستر، وهذا يعني تلاعباً على أنظمة الاستثمار الأجنبي، التي أقرتها حكومة المملكة، وتحايلا على أنظمة العمل بشكل عام.

منح نسب معينة من دخل المشاريع، بالإضافة للعمولات غير المنطقية «للمتستر عليه» لإبعاد الشبهات يعتبر من أخطر أنواع التستر التجاري، وهذا النوع نجده بشكل كبير في المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مما يؤدي إلى خلق منافسة غير شريفة مع رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة النظاميين، والتي أصبحت التحديات التي يواجهونها واضحة وأدت لإغلاق العديد من المشاريع كما نرى على أرض الواقع، خاصة بعد تطبيق مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية وتسهيل إجراءات تنقل العمالة الوافدة بدون أي مراعاة للمادة ٨٣ من نظام العمل السعودي، والمعنية بحماية صاحب العمل من المنافسة وحفظ أسراره، ولذلك من المهم أن يتم تكثيف الجهود حتى لا نرى مشاريع نظامية تتساقط وتتلاشى من التواجد بسبب عدم حمايتها، ويحل بديلاً عنها مشاريع غير نظامية تحت ما يسمى بالتستر التجاري.

مؤشرات عديدة لو تمت مراقبتها بشكل جاد ستنكشف من خلالها خبايا في التستر التجاري بشكل كبير في المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ولا أعتقد أن مراقبة تلك المؤشرات من الأمور الصعبة أو المعقدة خاصة بعد التطور التقني الكبير الذي تشهده المملكة، وأحد أهم تلك المؤشرات هي متابعة تحويلات الوافدين ومقارنتها مع الأجور التي يتقاضونها حسب العقود الموثقة وسجلات التأمينات الاجتماعية، ومن خلال ذلك ستتضح الخبايا والتي تتركز في حصول العديد من العاملين على جزء كبير من دخل المشاريع على شكل عمولات «بمعدلات غير منطقية»، وبغياب وجود أي سياسات داخلية واضحة، مما يثير الشك في وجود شبهات لتبييض وغسيل الأموال بطريقة مُريبة.

أغلب مبتدئي الأعمال يتم إغراؤهم لفتح مشاريع صغيرة في أنشطة محددة ومعروفة من قبل بعض العمالة الوافدة، الذين لا يهمهم إلا مصلحتهم الخاصة، وذلك بالاتفاق بين الطرفين للحصول على نسبة من الدخل تحت غطاء «عمولات وحوافز»، وإذا لم يتم تكثيف الجهود للقضاء على تلك الظاهرة سنصل لمرحلة خطيرة جداً في إغلاق المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وفقدان وظائف حقيقية ودوامة الديون والمخالفات مما يشوه من سمعة سوق العمل السعودي، وللأسف يظن بعض أصحاب الأعمال أن تحويل أجور موظفيهم عبر المنصات الرسمية الموثقة والالتزام بحفظ الأجور يكون كفيلاً بتصحيح وضعهم والتخلص من شبهات التستر.

ختاماً: في الفترة القريبة الماضية استخدمت الجهات المعنية في مكافحة ظاهرة التستر عدة طرق للتوعية من مخاطر التستر التجاري، ومنحت مخارج مجانية لجميع المخالفين من خلال فرص لا تعوض، وعملت على تطوير العديد من التشريعات المتعلقة في معالجة التستر كنظام الاستثمار الأجنبي والإقامة المميزة، ولكن هل وصلنا لنتائج إيجابية من كل هذه الجهود؟.