@LamaAlghalayiniلمى الغلاييني

يعتبر السواد الأعظم من الناس أن المال مكوّن أساسي من مكوّنات السعادة. ومن هذا المنطلق بالذات يهمنا أن نضع المنظار المناسب الذي نحدد من خلاله أهمية المال وارتباطه بالسعادة كعنصر هام من عناصر الرفاهية وأداة أساسية للاستمتاع بأمور راقية في الحياة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كم يحتاج الإنسان من المال ليكون سعيدا؟ فالمال يمحو بعض أنواع الشقاء، ويوفر لنا أمورا كثيرة، فرغم مساهمته في إضفاء عنصر المتعة، إلا أننا نسمح له بأن يسيطر على حياتنا أكثر من اللازم،، حيث يجهل معظمنا ماهية المال الحقيقية، والبعض الآخر يعرفها لكنه ينكرها أو يرفض سماعها، فالأكثرية الساحقة من الناس تتشبث بمعتقداتها ومواقفها وافتراضاتها المتعلقة بالمال بغض النظر عن عدد الأدلة المناقضة لها والتي يضعها العالم على طريقنا، لأن القبول بالحقيقة يقضي على الحلم أو الوهم الذي يجعلنا نعتقد أن امتلاك المال ينقذنا. ونكران حقيقة المال يحتجزنا في علاقة غير صحية معه ويعيق استمتاعنا بالحياة. وعلى الرغم من أن علاقتنا بالمال تتغير مع تغير ظروفنا ونظرتنا الشخصية إلى الحياة فنحن لا نعطي حيّزا كافيا من تفكيرنا لموضوع القيمة الحقيقية للمال. فقد يتخذ المال معنى مختلفا تماما عندما نتناوله من زوايا جديدة مختلفة، وسنكتشف أن الكثير من أوجه التعاطي مع المال عقيمة غير مجدية. فعليك أن تتحمّل مسؤولية القيمة التي تعطيها للمال مهما كانت هذه القيمة، فإذا كان المال في نظرك شرا فلأنك أنت من أوجده للشر، وإذا كان المال مشكلة في نظرك، فلأنك أنت من جعلت منه مشكلة. أما إذا كان متعة بالنسبة لك، فلأنك أنت من أضفى على المال مفهوم المتعة، فلا بد أن تتحمّل مسؤولية المفاهيم التي تتعاطى بها مع المال. وكن واثقا من أن هذه مجرّد مفاهيم أنت من يقرر تطبيقها لا أكثر من ذلك ولا أقل، وإن كنت تعتمد على المال لتحقيق استقلاليتك، فلن تستطيع بلوغ الاستقلالية يوما. فالضمانة الوحيدة الحقيقية التي يستطيع الإنسان أن يحصل عليها في هذا العالم هي مخزون المعرفة الذي لديه، وخبراته، ويتوهم بعض الأغنياء أن امتلاك ثروة طائلة سيسعده. وعندما يعجز المال عن تحقيق السعادة لا يجد سببا وجيها يتذرّع به لیبرر حزنه، فيزداد تعاسة وحزنا، فالمال يوصلنا إلى مستوى محايد شبيه بحالة وسطية ما بين التعاسة والسعادة، ويمنحنا شعورا يقف عند الحدود ما بين الرضى وعدم الرضى، وتدفّق المال لا يجعلنا عموما نتخطى هذا المستوى المحايد أو هذه الحالة الحيادية. فبعد أن نبلغ هذا أو تلك، تغدو السعادة مرتبطة بأمور لا يستطيع المال أن يشتريها، بكلام آخر، إن عرفت ما يحققه المال لك وما لا يستطيع تحقيقه، فذلك يساعدك على أن تصل إلى ما تريده في الحياة. وفي الإطار نفسه، إن عرفت الأمور التي تُشترى بالمال، توفّر على نفسك الشعور بالخيبة وعدم الرضى وتبدّد الأوهام، والإصابة بالأمراض، المهم هو أن تعتبر الثروة وسيلة لتحقيق غاية، لا مقياسا لقيمتك كإنسان.