د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

 ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن المصالح لا يحددها العلماء وحكماء البيئة، يحددها آخرون. كنتيجة تخسر البيئة على المدى الطويل، ويخسر إنسانها. وتساءلت: ما تأثير ذلك على مستقبل البشرية؟ في ظل انغلاق العقل يصعب تصور، وتخيل مستقبل التأثيرات السلبية أو حتى التفكير في أمرها. أمر هذه التأثيرات بيد علماء وأهل تخصصات، يدرسون ويحللون ويستنتجون، ثم يقدمون توصياتهم. عند هذا الحد تنتهي وظيفتهم. لا يملكون قرار التغيير وفرض تنفيذه. تقول العرب: المصالح تحكم. من يحدد مصالح البشر؟.

 أكبر الأضرار يأتي عندما يطال العنصر الأهم للحياة. هو الماء أيها السادة. السماء مصدر الماء العذب. حيث تتبخر كل أنواع المياه وتصعد إلى السماء. تتكثف ويصبح لها وزن بعوامل كثيرة. ثم تسقط قطرات ماء على الأرض يروي عطش الدنيا. يأتي السؤال: كيف يصبح هذا المطر العذب ضارا بالدنيا ومن عليها؟ كيف يتحول المطر عذب الماء إلى مطر حمضي الماء؟ سؤال إجابته معروفة. لكن لا ضير من الإشارة إليها. فذلك يعود إلى ملوثات غازية تنشرها المصانع، وأخرى ناتجة عن تراكم تركيز أضرار نشاط الإنسان في البيئة. فتصبح مجمعات الإنتاج العملاقة أشبه بالمصانع الحديدية. حظائر تربية الأنعام خير مثال.

 بتعاظم الملوثات الغازية الصناعية وانتشارها في الفضاء، تتفاعل مع بخار الماء، وتحوله إلى بخار ماء فاسد سام وقاتل. ثم يسقط مطرا غير صالح. يصبح ماء المطر محلول حمض كيماوي، بدرجات مختلفة، جميعها ضارة. المشكلة أن الهواء يحرك هذه السحب الملوثة من بلد إلى آخر. ليس هناك حدود تمنع، فيصيب مطرها بيئات نظيفة لا توجد بها الملوثات. هنا يكمن شرها على الجميع.

 هناك ضرر من نوع آخر يصيب البيئة بسبب نزول المطر، حتى وإن كان عذبا غير حمضي. ضرر يأتي في ظل إهمال البيئة. ضرر تحدثت عنه كثيرا. ضرر وثقته في جميع كتبي عن المياه. ضرر يكمن في جرف تربة الجبال وتعريتها من التربة. وهذا يعني كنتيجة تعريتها أيضا من الغطاء النباتي. هذا ما يجري حاليا في مناطقنا الجبلية المطيرة في جبال الحجاز والسراة.

 خلال هذا الشتاء كنت في منطقة الباحة. تنقلت بين مناطقها ومناطق أخرى من منطقتي عسير ومكة المكرمة. شاهدت نتائج جرف مياه الأمطار للتربة النادرة. تربة لا يمكن تعويضها إلى الأبد. هنا يصبح ضرر المطر أكثر من نفعه على المدى الطويل. نحن لا نلقي بالا للتربة الجبلية النادرة. لا نعرف قيمها في محاربة التصحر وتعزيز بقاء الغطاء النباتي. التربة تحمل جذور الغطاء النباتي. في حال جرفها تصبح البيئة غير مناسبة لنمو النباتات. كنتيجة تتصحر وتصبح الأرض صخورا صماء ميتة غير قابلة للزراعة.

 هناك الكثير من مشاهد بقايا التراث المهاري التاريخي للحد من ظاهرة جرف تربة هذه الجبال. حاليا مهدمة تتآكل سنة بعد أخرى. لم يعد للبيئة من يحميها ويعتني بها رغم أن أهلها يعيشون على أرضها. بمعنى آخر، لم يعد هناك تفاعل بين البيئة وإنسانها. تحول الإنسان من حامٍ وراعٍ إلى وحش مستغل لهذه البيئة بشكل جائر ومفرط. خير مثال ما يجري في ما تبقى من الشريط المطير من نشاطات تنموية ضحت بالبيئة وسلامتها. فتحولت الأمطار إلى أداة تجريف وتصحر.

 هذه الاستنتاجات ليست تنجيما وتشاؤما، كما تعتقد العقول المنغلقة على أمور الغيبيات. هذا العقل سائد في عالمنا العربي. تعطيله يتحقق بفعل عوامل كثيرة، أتجنب الخوض فيها وأبعادها. عقل يعتبر كل شيء خارج قدرته على الفهم نوعا من التنجيم والتشاؤم. البيئة تخسر مع هذا النوع من العقول، لأن تأثير الأضرار البيئية يستغرق عقودا حتى تظهر نتائجها السلبية. ويستمر الحديث بعنوان آخر.