عبدالله الغنام

نعيش في هذه الفترة القصيرة أياما فاضلة وروحانية، وهي العشر من ذي الحجة لسنة (١٤٤٤ هجري)، وفيها فضل وأجر عظيم، ومعظمنا يعي ذلك جيدا، ولكن العبرة دائما بالأعمال والإخلاص، لا بالأقوال والأماني فقط.

وفي زمننا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المرجع لكثير من الناس من دون تمحيص أو مراجعة. ومن هنا وددت أن أقف معكم على عدة نقاط وملاحظات، لعلها تنفعنا وتجعلنا أكثر تأن في تقبل أي معلومة تأتينا عبر هذه الوسائل المفتوحة للجميع.

ومن هذه النقاط هي مسألة التثبت من صحة الأحاديث التي ترسل لنا عن فضل أيام ذي الحجة، فلا يقتضي أنها (ترند) ومشتهرة أن تكون أحاديث صحيحة أو حسنة. ومن المعلوم أن بعضا من العلماء أجاز الاستشهاد بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فقط.

وأما الملاحظة الأخرى، فهي أصبحت ظاهرة منتشرة مؤخرا وبشكل غريب، ولعلي أسميها (الموديل الجديد) حيث يظهر البعض في مقطع فيديو ليقول لنا: جرّب هذه الصيغة من الدعاء، وسوف يأتيك الرزق أو الزوجة الصالحة أو الوظيفة المعينة، ثم يختم بقوله: هذه مجربة وصارت معي!! ابتداءً فإن الدين ليس محل تجارب! هو علم شرعي له أصوله ومراجعه العلمية المعتبرة، مثله كباقي العلوم الأخرى، وإن كان هو أعلى منزلة منها لأنه شرع الله ودين يُتعبد به، ولذلك من قال: جربت لا يؤخذ برأيه حتى يأتي بالدليل من الكتاب أو صحيح السنة، أما الأهواء والأقوال والتجارب والشهرة (الترند) فكل ذلك لا يُعتد به، ويُضرب به عرض الحائط! ودعوني استطرد في هذه النقطة بالذات ففي (مسألة التجارب) لا يؤخذ بها حتى في العلوم الطبيعية (كالكيمياء والفيزياء وغيرها)، بل على العكس هي تبدأ بالنظريات والأرقام والمعادلات والحسابات التي تبرهن لك صحتها من خطئها، ثم تأتي لاحقا مسألة التجارب على أرض الواقع، فما بالك في مجال الدين والشرع والعبادات؟!

ومن الملاحظات أيضا الاهتمام في هذه الأيام بالكم لا بالكيف! والمهم حقا هو عمل القلب مع الجوارح، فقد يكون لعبادة معينة أثر في نفسك أكثر من غيرها، ولله الحمد فإن الطاعات متعددة ومتنوعة، وكل حسب نشاطه وهمته. فانظر في أي عمل أو عبادة تجد قلبك!

ومن النقاط المهمة الاهتمام أكثر بالوقت، والأوقات في الأزمنة الفاضلة تمضي أسرع من غيرها، كأنها ساعة من نهار أو برهة من الليل.

وأضف إلى ذلك فإنه مع زخم الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال المواسم الدينية كرمضان وأيام العشر من ذي الحجة تنتشر الأحاديث الموضوعة في بعض الرسائل، والبعض من حماسته يُرسلها قبل التحقق! مع أنه في أيامنا هذه أصبح التأكد من صحة الحديث يأخذ بعض الدقائق أو ربما بعض الثواني لتوفر عدد من المواقع الإلكترونية التي تفيدك بصحة الحديث أو بضعفه أو بكذبه (حديث موضوع). والشيء بالشيء يذكر، فقد كان منذ زمن ليس ببعيد تحتاج إلى أيام للتحقق من صحة الحديث، وفي قرون سابقة كان يأخذ شهورا من السفر والتعب والجهد من أجل معرفة صحة السند وصحة المتن.

ومن الجدير بالذكر، أن نعلم أنه ليس بالأمر الهين إرسال حديث مكذوب على رسوله عليه الصلاة والسلام سهوا أو جهلا مع سهولة البحث وإمكانية التثبت. ولنتذكر جميعا، أنه قد جاء في الحديث الصحيح: «إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ». فمن البداهة وحسن التصرف إن كنت شاكا أو مترددا في صحة حديث نبوي قد أرسل إليك أن يتوقف عندك، فذلك خير وأفضل من أن يصبح (ترندا) بسببك!

abdullaghannam@