سعود القصيبي@SaudAlgosaibi

بادئ ذي بدئ، أتمني لكم أعيادا سعيدة وكل عام وأنتم بخير. آثرت اليوم أن أتحدث عن مخطوطات البحر الميت. هي مخطوطات بعضها به نصوص دينية وشرائع وتعليمات إدارية، تعود للفترة بين القرن الثاني والقرن الأول قبل الميلاد. عثر على تلك المخطوطات رعاة إبل من فلسطين في ربيع عام 1947 بكهف صغير بمنطقة البحر الميت حيث توقفوا لسقي الماء لإبلهم من إحدى آبار المنطقة. وتذكر القصة أنه بينما كانوا في استراحتهم رمى أحدهم بالحجارة أحد الكهوف في تجواله وما لبث أن سمع صوت تحطم لأوعية فخارية وعاد ليخبر أصحابه. ما خطر في بال الرعاة أنهم كانوا مقبلين على موقع لكنز به الجواهر الثمينة والذهب والفضة، إلا أن المغرب كان مقبلا ولعلهم خشوا وجود زواحف خطيرة كالثعابين، أو من حيوانات شرسة وقرروا المغامرة في نهار اليوم التالي للتعرف على ما في الكهف.

ما وجدوه في اليوم التالي كان مخيبا لهم، حيث وجدوا في الكهف مجموعة من الأواني الفخارية، أحدها كان مكسورا وبجانبه ملقى مجموعة من اللفائف فلا ذهبَ أو فضة. وما لم يدركه هؤلاء أنهم وقعوا على أهم اكتشاف في علوم الدراسات الأثرية الدينية القديمة، فهي تعود إلى فترة ما بعد السبي لنبوخذ نصر لبني إسرائيل، ورجوعهم إلى أرض كنعان مباشرة. فما نعرفه ويذكره علماء التوراة بعد تلك الأحداث، أن التوراة حُرّفت وأضيف إليها، وضاع منها الكثير كذلك عند السبي. ولم يتوقف الأمر هنا، فلم يعترف أغلب بني إسرائيل بأنبيائهم ولم يدرجوا ما نزل عليهم من الله -عز وجل- بالتوراة. وقد أرسل الله -سبحانه وتعالى- عددا كبيرا من الأنبياء لبني إسرائيل، لم يصلنا منهم أو عنهم شيء غير بعض الذكر مما جاء بالقرآن الكريم أو روته الإسرائيليات، رغم سقطها ونقصها الكثير. كأمثلة نحن ندرك كما ذكر الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم أن هناك كتابا اسمه الزبور، وهو الكتاب المقدس الذي نزل على سيدنا داوود -عليه السلام- ولكن أين هو اليوم؟. فبنو إسرائيل لم يعترفوا بنبوته واعتبروه مجرد ملك. وما يرد عن الزبور إلا أدعية قليلة نسبت لداوود -عليه السلام- كانت تنشد في الهيكل زمنه، ودوّنت في التوراة الموجودة حاليا، وللعودة بعد عثور الرعاة على المخطوطات، ذهبوا بها إلى القدس وباعوها لأحد أفراد الكنائس العربية بالمدينة. اختفت بعد ذلك إلى أن ظهرت مرة أخرى عن طريق إعلان لبيعها في جريدة الوول ستريت جورنال بالولايات المتحدة سنة 1954. بيعت هذه المخطوطات بعد الإعلان لأحد الآثاريين بمبلغ كبير، مما أكسبها شهرة وزاد عليها ذكر أنها أقدم مخطوطات أصلية للتوراة. ذاك الإعلان والصفقة شجعت حملات من المتخصصين والبادية على البحث عن المزيد منها في سفوح الجبال المحيطة بالبحر الميت، وإلى سنة 1956 حيث اكتشف إجمالا 11 كهفا صغيرا حوت أشباه تلك الأوعية والمخطوطات الأولى، وجاء بمجموع الجرار المكتشفة بعد دراستها عدد 800 مخطوطة كتبت بمجموعة من اللغات (الآرامية واليونانية واللاتينية والعبرية).

كما احتوت هذه المخطوطات على نسخ بديلة لأجزاء من التوراة، وآخر مما لم يضف إليها. ويعتقد الباحثون أنها تعود لأحد الطرق والمذاهب الدينية اليهودية زمن المسيح «عليه السلام». ومما جاء في هذه المخطوطات ولم يدرج بالتوراة حوار بين نوح «عليه السلام» وأبيه، وحكم وصلوات لنبي الله داوود «عليه السلام». وأيضا خطابات ورسائل لها طابع إداري في الفترة الرومانية. وكذلك دروس دينية وشرائع غير متبعة للطائفة اليهودية اليوم، تبيّن أحوال وطرق المذاهب الدينية في تلك الفترة الزمنية من اختلاف، ومن أهمية هذه المخطوطات أنها تؤكد لنا كمسلمين تحريف التوراة، مما ذكره الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم عنها. كما من أهميتها للآخرين أنها تأتي مع بدايات العقيدة النصرانية، وانتشارها في فلسطين في تلك الأزمنة القديمة، الأمر الهام من ناحية تاريخية وأكاديمية. الآن نحن كمسلمين نحمد الله -سبحانه وتعالي- أن أنزل القران الكريم على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بلسان عربي وحفظه من التحريف، كما نحمد الله «سبحانه وتعالى» على نِعمة الإسلام.